أزرار- الحلقة 904
ليسَ تراثاً مضى
السبت 15 آب 2015

مشهد من 1929:

          في حزيران 1929 أَصدر رئيس الجمهورية شارل دباس مرسوم تعيين 15 نائباً، بينهم: بشارة الخوري، إِميل إِدّه، الشيخ محمد الجسر، عبدالله بيهم، أَحمد الحسيني، سليم تلحوق، هنري فرعون، حبيب جرجي طراد.

          في 14 تموز 1929 صدرَت جريدة ميشال زكور “المعرض” وفيها هذا الخبر: “استقال النائب حبيب بك طراد من عضوية مجلس النواب بسبب نظامٍ لا يتّفق وبرنامجه الإِصلاحي، ولأَنه قليلُ الأَمل بوجود مَن يشاركه مِن أَعضاء المجلس النيابي بالدفاع عن برنامجٍ فيه بنودٌ مفيدةٌ للاقتصاد في البلاد. ورفَع إِلى رئيس الجمهورية كتاباً يبيّن فيه أَسباب الاستقالة جاء فيه: “فخامة الرئيس، قلَّدتموني شرفَ ثقتكم بتعيـينكم إِيّاي نائباً عن بيروت. وتمنيتُ وجودَ كتلةٍ في المجلس النيابي مصمِّمةٍ على تحقيق إِصلاحات دستورية وإِدارية واجبةٍ للصالح العام، إِنما تأَكّد لي أَنّ ما أَمَّـلْـتُـهُ غيرُ مستطاعٍ تحقيقُه. لهذا أَجِدُني مضطراً للاعتذار عن قبول الشرف الذي أَوليتمُوني إِياه، راجياً أَن تَقْبلوا إِخلاصي الأَكيد مع عاطفة عرفان الجميل”.

          وفي 21 تموز 1929 صدرَت “المعرض” وفيها هذا الخبر: “قـرّرَت الحكومة اللبنانية قبولَ استقالة النائب المعيّن في بيروت حبيب بك طراد بعدما رأَت أَنْ لن يُجديها الإِلحاحُ عليه بالعُدول عن عزمه. وهي لن تُعيِّن خلَفاً له قبل اجتماع المجلس النيابي في تشرين الأَول، كي توفِّـر على خزينة الدولة راتبَ نائِبٍ لشهرَين، وذلك جُزء من سياسة الاقتصاد”.

مشهد من 2015:

          في مجلس النواب اليوم، بعد 86 سنة، نُـوابٌ يَـنعمون براتبٍ “غير متواضع” معطوفٍ على مخصّصاتٍ “غير متواضعة” يتقاضاها النائب شهرياً طيلة ولايته “نائبَ الأُمة”، حتى إِذا لم يَـعُد نائباً في الدورة التالية يظلُّ يقبض تعويضاً “غيرَ متواضع”، وإِذا دعاه الله إِلى لَدُنِــهِ تَقبض التعويضَ أَرملتُه أَو الورثة حرصاً على خزينة الدولة أَن تكون رحيمةً حنونةً مَع مَن “ضحُّوا” طوال حياتهم في خدمة الوطن.

          وفي مجلس النواب اليوم نُـوابٌ لا يَحضرون إِلى المجلس كي يُـزاولوا واجبهم الانتخابي الرئاسي، ولا يَحضرون جلسات اللجان النيابية، وبينهُم مَن هُم خارج البلاد لأَسباب أَمنية أَو لـمُـتابعة أَشغالهم، ومع ذلك لا يتأَخّرون عن قـبْض رواتبهم “غير الـمتواضعة”.

          الضمير المسؤُول ليسَ تراثاً مضى.

          مع ذلك لا يتوانى “نُـوابُ الأُمَّـة” عندنا عن التشكِّي بأَنَّ في الدولة هدراً فظيعاً يَجعل الدَّين العام يزداد ملياراً بعد مليار.

          ومع ذلك لا يزال هؤُلاء يَجدون بين “المواطنين الأَحـبّـاء” مَن يصيحون “بالروح بالدَّم” ويُهَوْبِرُون باسمهم في الشوارع.