حرفٌ من كتاب- الحلقة 231
“غُصُونٌ وارفةٌ في الشِعر والنثر”
الأَحـد 26 تـموز 2015

          “في زمنٍ متأَخِّرٍ من العمر تُصدِرَ باكورةَ أَعمالِك. في الأَواخر تسترجع الأَوائلَ كي لا يَفوتَ إِلى الأَبدِ جنى العُمر. هكذا أَنتَ: في سباقٍ دائمٍ مع نفسِك، ومراهناتٍ على كسْب كلّ جديرٍ بالاكتساب والبقاء. عَساكَ فُـزْتَ بالسِباق وكسِبْتَ الرِّهان“.

Antoine Abou Rahlهكذا صدَّر الشاعر جوزف صايغ، بشاعريته الرائية، كتابَ الصحافي أَنطوان أَبو رحْل “غُصُونٌ وارفةٌ في الشِعر والنثر” الصادر حديثاً عن “دار نِلسُن” في 496 صفحة حجماً كبيراً، حاملاً شهاداتٍ في كوكبةٍ من اللبنانيين أُدباء وشعراءَ ومبدعين من كل بيدر: هنا كتابٌ صدَر، هناك مناسبةٌ ثقافية، هنالك عرضٌ مسرحي أَو موسيقيّ، و…حَدَّهُم جميعاً مَـحبَّةُ كاتبٍ يُفْرِحُهُ أَلَقٌ لبنانـيّ يَـتَوَهَّجَ فيرسل إِلى قلمه نفثاتٍ مُـحِبَّةً تَزيد من سطوع ذاك الأَلَق، في نصوصٍ وصوَرٍ من غالي المحفوظات لدى أَرشيڤ الحركة الأَدبية والثقافية في لبنان.

          هكذا تَـمرُّ على شاشة الكتاب نُجومُ سعيد عقل وعيسى اسكندر المعلوف وجوزف صايغ وراجي الراعي وفوزي المعلوف وشفيق المعلوف ورياض المعلوف وميشال طراد وشوقي أَبي شقرا وإِملي نصرالله وأَمين معلوف وأَنيس مسلّم والياس أَبو شبكة وجوزف غصين وريمون قسيس وغنطوس الرامي ومنيف موسى وسليم باسيلا وجورج سكاف وجميل أَلوف وأَنطوان معلوف وجان كميد وجان سالـمة وسلمان زين الدين وميشال عاصي ونجيب حنكش وفوزي القش وسواهم من الكوكبة اللبنانية التي عالج أَنطوان أَبو رحْل نشاطَها أَو جديدَها: هنا مقالاً في جريدة، هنا كلمةً على منبر، ودوماً مكتوبةٌ بقلبٍ دقّاتُهُ وفاء.

          ها هو يـفي راجي الراعي هيْبَتَهُ: “هذا الـمُقِـلُّ الساحر، الجليُّ الجليل، فُروسيتُه إِقدامُ العقل النيِّر. قطراتُ الندى، على قلمه، كنزٌ أَدبيٌّ مُصفّى لرجلٍ يعشَق الكلمة ولها يَطرب، فيَنْتَقيها، يَرصُدُها، يَصطادُها، يُسافرُ فيها ويَسْفُرُ عنها بعد إِعياء”.

          وها هو يَفي مدينتَه زحلة فيَشْهَر حبَّه إِياها: “زحلة ليست مساحةً جغرافية على هذا المقلب من الأَرض اللبنانية، بل هي مواقفُ وطنيةٌ وإِنسانيةٌ متسامحةٌ وإِنسانٌ مميَّزٌ وإِرادةُ بقاء”.

          ويتوقف في كتاب “الياس أَبو شبكة من الذّكْرى إِلى الذّاكرة” عند عَلاقة الشاعر بزحلة، في آخر قصيدة أَلقاها على منبر، وكانت في زحلة لـمهرجان خميس الجسَد نهار 20 حزيران 1946 في مهرجان الكليّة الشرقية، ويومَها صدرت جريدةُ “زحلة الفتاة” بأَن “الشاعر استحقّ على قصيدته الجنسية الزحلية”، وهو القائل فيها:

هذه قُبْلَتي وهذا نشيدي        أَنا يا زحلَ ما نكثْتُ عُهودي

جئتُ في موسم الوفاءِ… وقلبي وعيوني ومـــــــا عليها شهودي

أَنتِ يا زحلَ في ضميرِيَ لَــحــنٌ لم يَزَلْ بعدُ في الخيال البعيدِ

أَنتِ شِعرٌ من السماءِ عظيمٌ… كيف أَجلُوه بـــــالكلام الزّهيدِ؟

***

          أَنطوان أَبو رحْل، في كتابه غُصُونٌ وارفةٌ في الشِعر والنثرذاكرةٌ لزحلَة ولبنان، ولعلَّهما صِنوان في مساحة الأَدب الذي يَعُبُّ من بِردَونـيِّ الإِبداع قطراتِ نَدَى لِلُبنان الخالد في مُكرَّسيه الـمبارَكين.