يَــثْــبُـتُ أَنّ مقولة “المرأَة نصف المجتمع” باطلةٌ أَمام إِنصاف أَنّ “المرأَةَ ميزانُ المجتمع”.
ويَــثْــبُـتُ بُطْلانُ مقولة الرجل إِنّ “المرأَة هي النصف الآخَر”، بل الأَصل أَنها النصف الأَول وهو النصف الآخَر.
المرأَة الأُمّ مُنجِبَتُه، المرأَة الزوجةُ منجبةُ أَولاده، المرأَة الحبيبةُ مُـحـرِّكتُه، المرأَة الزميلة رافعتُه، المرأَة الصديقة ملجأُه، وهي الكلّ في حياته مهما تجبّر وادّعى.
سوى أَنه يقهرها بالإِهمال كي يُـبْقِي تَسَلُّطَه الذّكوريّ. وعن المؤَشّرات العالـمية أَنّ أَكثر المجتمعات تَـخَلُّفاً: تلك الـمُبْعِدةُ المرأَةَ عن التعلُّم لأَن في التعلُّم تربيتَها وتثقيفَها وتوعيتَها.
هنا يــبرز حضورُ ناشطات في هذه الرسالة النبيلة، رسالة الالتزام بالقضية الإِنسانية الكبرى: تعليمُ الفتاة وتهيئتُها بالتربية والتثقيف. فما تقوم به ناشطاتٌ بارزات في المجتمع المدني، بـإِيمانٍ ومثابَرةٍ وجهدٍ متواصل، يُثْمِرُ حيثما تَــيْــبَــسُ محاولات الدُّوَل.
أُسمّي بينهنَّ اثنتَين زارتَـا لبنان أَخيراً: الـﭙـاكستانية مَلالا يوسف زاي، وميّ الريحاني ابنة لبنان. كلتاهما جاءَت من بلدٍ مـختلف، لكنها تكرِّس حياتَها لقضية واحدة: الالتزامُ الإِنساني تجاه الأَفراد يُــحْدِثُ فرقاً بَــيِّـنـاً يكْسر الحواجز ويتخطّى المعوِّقات.
مَلالا (نُوبِل السلام 2014) زارت لبنان لتحتفلَ بِعيد ميلادها الثامن عشر في مخيّمات اللاجئين السوريين وتُطالبَ قادة العالم أَن “استثمِروا في الكُتُب لا في الرصاص”. وهي، منذ نجَت من محاولة طالبان اغتيالَها لأَنها تطالب بحقّ المرأَة في التعلُّم، تدور في المجتمعات الفقيرة التاعسة تَستنهض الهمَم على تعليم المرأَة كي تَخــرُجَ المجتمعات من تعاستها، ومَلالا خَرجَت من حملتها في بلادها فقط، وتحوّلت رمزاً عالمياً لحملة تعليم البنات.
مي الريحاني زارت لبنان وطنها الأَول لاحتفاله بصدور كتابها “ثقافات ولا حدود” (بالإِنكليزية في واشنطن) وفيه بيوغرافياها الذاتية ومسيرتُها الطويلة من أَجل قضيةٍ رئيسة: تعليمُ المرأَة وتربيتُها وتثقيفُها وتمكينُها. رسالة جالت لأَجلها على 40 بلداً بين أَفقر الدُّوَل وأَكثرِها تَـخَـلُّـفاً في أَفريقيا وآسيا، وعانَت وعايَنَت وصرَفَت جُلَّ جهدها على توعية القادة، مدنـيّـيـهم والرسميين، أَنْ لنْ يَتَغَـيَّر وجهُ العالم إِلاَّ بـــ”امرأَة متعلِّمة ثقيفة تَبْسط في المجتمع قِـيَماً تَؤُول به إِلى مراتبَ فيه إِنسانيةٍ عُليا: البحثُ عن الفرَح، الخشوعُ أَمام العدالة، الاعترافُ بأَنّ للآخَرِ حُـقوقاً، الحاجةُ إِلى الأُمومة، محبةُ الأَطفال، دَفْعُ الأَهلِ أَبناءَهم إِلى الأَفضل، احترامُ العملِ الدَّؤُوب، الحنينُ إِلى أَيام الخير، حُبُّ الانتماء، …”. وبهذه القيَم تَحوَّلت مي الريحاني مواطنةً عالميةً من لبنان تُبشِّــر أَنَّ “بين البشر خيطاً إِنسانياً خفياً يتخطّى الأَديان والإِثنيّات والعرقيات”.
هكذا يرتفع فردٌ إِلى مستوى قضية.
وهكذا يتغيّر وَجهُ العالم.