نقطة على الحرف- الحلقة 1213
مُشكِلَةُ صبيَّة؟ أَم مصيرُ شعب؟
الأَربعاء 22 تــمُّــوز 2015

ما توجَّهَت به المستشارةُ الأَلمانية أَنْـجِلا مِركِل نهار الأَربعاء الماضي (15 تموز) إِلى الصبيّة الفلسطينية ريم من أَحد مخيمات لبنان، هل يعني تلك الصبيةَ وحدها؟ أَم يشمل شعباً كاملاً في مخيَّمات الانتظار؟

وهل هو موقفُ الدولة الأَلـمانية السافرُ أَن ترفضَ استقبال لاجئين أَم هو موقفُ سائر الدول تقنّعُهُ بالوعود منذ 1948، ثم تتَّكل أَنّ لبنان يَحتضنهُم فَلْيُقلِّع لبنانُ شوكَه مع كلّ ما فيه من شوك؟

ما طَلَبَتْهُ ريم ابنةُ العاشرة: أَن تتمكَّن من مواصلة دراستها سنةً رابعةً في أَلمانيا وهي باتت تُتْقن اللغةَ كما أَهلها، فيما أُسْـرتها مُهَدَّدةٌ بالترحيل من البلاد وبالعودة إِلى المخيم الأَول في لبنان. جواب مِركِل كان صارماً: “أَلمانيا لا تستطيع استيعاب جميع المهاجرين. يجب على بعضهم أَن يعودوا إِلى بلادهم. لا يمكن حكومتنا أَن تَعِدَ بالتعجيل في اتخاذ القرارات. السياسةُ أَحياناً قاسية، واللاجئون الفلسطينيون في مخيَّمات لبنان آلافٌ، ولا تتصوّروا أَن يأْتوا جميعُهم إِلى بلادنا”.

طبعاً نفهم حرص المستشارة الأَلمانية على عدم إِلْـجاء غرباء في بلادها أَكثرَ من نسبة ضئيلة لا تشكِّل خطراً ديمُغرافياً عليها، كي لا نعدِّد أَخطاراً أُخرى. لكنَّ السياسة القاسية تتعامل بمنطق المواطنية لا بمنطق الإِنسانية.

أَلمانيا بلدٌ غير مُنْهَكٍ بأَفواج اللاجئين والنازحين، وهي عضو في الاتحاد الأُوروبي الـمُنَهمِك بقضايا اللجوء. كل هذا يفهمه المجتمع العالمي إِنما لا يَهُمُّه أَن يَفهم أَنّ لبنان منهكٌ بصحَّته الشخصية قبل أَن تزيد من إِنهاكها نسبةٌ عاليةٌ من لاجئين ونازحين استقبَلَهم راضياً، ولا يزال، باسم الأُخُوَّة والعروبة والإِنسانية والتضامن العربي، وتترنَّح سفينته في أُوقيانوسٍ أَهوَجَ تضربها فيه أَنواءُ ديموغرافيا باتت خَطَراً فاجعاً مُنْذِراً بِــإِغراق السفينة التي لن يعودَ ينفَعُها التغنِّي برومانسية “للضّيف مفتوحه منازِلْنا” حين المنازلُ تَضيقُ بأَهلِها وضيوفِها والنازحين واللاجئين، فيما الدُّوَلُ القادرةُ غيرُ قادرةٍ على تنفيذ وعودها حتى بــ”المساعَدات المانحة”.

منذ 1948 ولبنانُ يستقبل وتزدادُ مُخَيَّماتُه ويزدادُ لاجئوها، ولا يزال يستقبل، من فلسطين تزداد مُخَيَّماتُه، ومن سوريا، ومن العراق، وأَهلاً بالإِخْوَة إنسانياً وتَضامنياً. لكنّ مِركِل لا يُوجِعُها ما يُوجِع لبنان، ولا يُرهِقُ بلادَها ما يُرهِقُ لبنانَ ديموغرافياً واقتصادياً، وهو يحتمِل عنْه وعن محيطه مـمَّـن “يَتَمَركَلُون” أَكثر من مِركِل، ويظلُّ لبنانُ وحدَه، يحتمِل وحدَه، متروكاً وحدَه لِقَدَرِهِ أَن يَستقبل إِخوةً مقهورين مظلومين حتى يوشِكَ أَن يُصبِح وحدَه مقهوراً ومظلوماً.