الاستاذ هنري زغيب | الاستاذة مي منسى | الاستاذة مي ريحاني |
كيف يمكن تعزيز الحوار بين الحضارات الثقافات؟ ما هي إمكانات الخروج من صراعات الهوية؟ كيف نعزز ثقافة قبول الآخر المختلف واحترام التعددية؟ ما هو دور الدولة في ذلك؟ ما هي سُبل تعزيز دور المرأة وحمايتها خاصةً في العالم العربي والإسلامي؟ ما هو مستقبل العلاقة بين الحضارات والثقافات في العالم؟
تطرح الكاتبة والشاعرة اللبنانية مي الريحاني في كتابها الصادر بالإنكليزية “ثقافات بلا حدود”، إشكالية التفاعل بين الحضارات والثقافات المختلفة وإيجاد القواسم المشتركة فيما بينها. والكتاب هو خلاصة تجارب الريحاني في عملها وتنقلها بين فرنسا والولايات المتحدة وبلدان كثيرة في العالم، خاصة البلدان العربية والإسلامية كالمغرب وباكستان وأفغانستان وغيرها. ويعرض الكتاب الجوانب المهمة للتقارب بين حضارات الشعوب وبناء ثقافة الحوار وتقبل الآخر المختلف والإبتعاد عن الصور النمطية التي تؤدي إلى نزاعات على أساس الهوية. كما تطرح دور المرأة وأهميته في بناء المجتمعات والتغيير وصناعة السلام، استناداً إلى تجاربها العملية في مشاريع تعليم المرأة.
وتأتي أهمية الكتاب من كونه يطرح إحدى أبرز الإشكاليات المطروحة في العالم اليوم والمنطقة العربية والإسلامية خاصةً، في كيفية تعزيز حوار الحضارات والثقافات ورفض التصادم فيما بينها، والسعي لبناء ثقافة احترام الآخر المختلف وحماية التعددية الإجتماعية تحت سقف المواطنة والمساواة التامة.
كلمة هنري زغيب في الاحتفال بـكتاب “ثقافات ولا حدود” لــمي الريحاني
“مركز عصام فارس للشؤُون اللبنانية” – الأَربعاء 15 تموز 2015
زمنٌ أَوَّل:
صبيّةٌ تَــتَّكئُ على جَفْن شُرفة بيتها في الفريكة. تَتَزَحلَق عيناها على رُؤُوس الصنوبر صوبَ الهناك، صوب الـبيروت الجميلة فَــترى إِلى بَعِيد البحر، تَحلُمُ بِــبَعيدٍ لها يحملُها إِلى الضفة الأُخرى من الكوكب. تَرتدُّ عن البحر فتخشَـع عيناها عند بلاطةٍ على أَرض الشُّرفة كان عمُّها الـ”أَمين” الكبير يقِف عليها يصلّي “نجوى” كتبَها ذات 1922 في صحراء نجد. تُردِّد منها الصبيّة: “اللهمَّ: أَنا نبضُ الحياة فيكَ، وروحُ الحب فيكَ، ونورُ الحكمة فيكَ. ساعِدْني أَجمع قواي الروحيةَ والعقليةَ والجسديةَ في سبيل الحَق والحُب والحِكمة”.
زمنٌ ثانٍ:
الصبيةُ تَخرُج من بيتها في آخر شارع الحمراء تَحمل نصاً لها خَفِراً تَبلُغ به أَوّل الشارع حيث جريدةُ “النهار”. تُعطي النصَّ حارسَ المبنى: “أَيُمكن أَن تُسَلِّم هذا المغلَّف إِلى الأُستاذ أُنسي الحاج”؟ وانتظرَت صباح الأَحد “مُلحَق النهار” فإِذا نصُّها في صدْرِ صفحةٍ منه. كانت تلك خَطوةً أُولى إِلى تحقيق حُلمها أَن تكون كاتبةً تُكْمل إِرث البيت الذي فيه وُلِدَت على وهْج غائب كبير اسمه أَمين الريحاني وعلى سُطوع والدةٍ أَديبةٍ اسمُها لورين وعلى هَيبَة والدٍ أَديبٍ اسمُه أَلْبرت أُعجِبَ بِـمَي زيادة التي رعاها أَخوه أَمين، فسمّى على اسمها ابنتَه الوحيدة.
زمنٌ ثالث:
تكبَر الصبية في بيتٍ ثقيف يَشُعُّ بأُدباء وشعراء ومفكّرين عَلمانيين منفتحين من جميع الطوائف والمذاهب. تَنْسُج من حضورهم حريراً لها أَخذَ يتفتّح من شرنقة البيت بين الكوليج ﭘــروتستان والجامعة الأَميركية. بدأَت أَشعةُ الصبية تَـبزُغ من شرنقة أَحلامها. دخلَت حقل الوظيفة في أَحد أَكبر فنادق المدينة، ودخلَت حقلَ الأَدب بمجموعتِها الأُولى “حَفْرٌ على الأَيام” كانت محور اهتمام الوسط الأَدبي نَدَواتٍ ومقالاتٍ تبشِّر بشُروقِ أَديبةٍ من لبنان على نهج الأَدب العالي. استقبلَها منبر “الندوة اللبنانية” مطمحُ أُدباء تلك الحقبة، ونوّه بها سعيد عقل رائياً لها مستقبلاً في حَرَم القلم.
زمنٌ رابع:
كأَنما القدَرُ القاسي يَغار من الهناءة والنجاح. ضرَب البيتَ والصبيّةَ بـمَرَضِ الوالدة الدائم وتَـخَرْسُنِها عن مواصلة مشروعها الرائع مجلة “دُنيا الأَحداث” وعن كتاباتها للناشئة. رانَ في البيت صمتُ الوالدة التي كانت كَنَّارةَ البيت. تَنَسَّكَت الصبيّةُ عند سرير الوالدة السَّكُوت، تكتُب أَساها ثم تُصدِره في كتابها الثاني “إِسمي سواي”. لم ينتشلْها من حَدّ السرير إِلاَّ “معهدُ الدراسات النسائية” في كلية بيروت للبنات (اليوم: الجامعة اللبنانية الأَميركية) غيرَ مدركةٍ أَنّ هذا المعهد سيحملُها إِلى تحقيق حُلمها البعيد.
زمنٌ خامس:
يُكمِل القدر القاسي حقدَه على الهناءة والنجاح، فيضرب لا بيتَ تلك الصبية بل كلَّ بيت لبناني في قَصْفِه ربيعَ 1975 بشرارةٍ تناسلَت ناراً أَحرقَت لبنان في حربٍ تَسَلْحَفَتْ خمسَ عشْرةَ سنةً هَجَّرَت أَدمغة لبنان إِلى بلدان العالم. كانت تلك الصبيةُ بين مَن حزَموا الحلْم وهاجروا. حَملَت حُلمها الطَّموح ورضى الأَلبرت واللُورين، وغادرَت بيروت: في قلبها نُورٌ من شُرفة “الفريكة”، وفي ذاكرتِها حنانٌ من بيت شارع الحمراء. إِلى بلدانٍ ومدُنٍ كثيرة هاجرَت الصبية، إِلى ﭘـاريس أَولاً حتى حطّ بها الجناح في واشنطن، وفيها حقَّقت من مبادئها الكثيرَ ليكون حصادَها المهني والفكري والاحترافي في الزمن الطويل.
زمنٌ سادس:
في واشنطن زاولَت الصبية مبادئَ رَبِيَتْ عليها في بيتها الوالديّ وفي وطنها الأَوّل. ومن واشنطن كانت رِحلات وارتحالات وترحالات على رِحَالات الخدمة والطُّموح. ولأَنها وعَت منذ طفولتها تَفاعُلَ الحضارات والثقافات، وتجاوُزَ صراعات الهُوية والمذهبية، وثقافةَ الحوار، واقتبالَ آخَرَ مختلِفاً، زارَت بلداناً عربيةً وإِسلامية، وعمِلَت لتفعيل دور المرأَة في المجتمع، وأَسّست وساهمت وشاركت وأَحيَت كلَّ ما يُهنْدس مشاريع تعليمِ المرأَة وتطويرِها. أَربعين بلداً زارت، ومئاتِ المدُن عرفَت، وفي بالها دوماً معاكَسَةُ قصيدة. ففي صباها قرأَت للشاعر البريطاني روديارد كيـﭙـلِنغ “كتابَ الغاب” الصادرَ سنة 1889 وفيه قصيدةُ “أُغنيَة الشرق والغرب” ومنها بيتان: “الشرقُ هو الشرق والغربُ هو الغرب، عالَـمان لن يكونَ قط أَن يتلاقيا حتى تتلاقى الأَرضُ بالسماء في محكمة الله”. من يومِها أَضمرَت أَن تعاكِس المقولة، وأَن تَرفض قَوْلَةَ صموئيل هانْـتِـنْغْـتون بـ”صراع الحضارات”. نَوَتْ تنتصرُ للإِنسان أَنّى كان، وَنَوَتْ أَن تعانق في شخصِها شرقاً بغَرب، وَنَوَتْ أَن تَتَكرّس رسُولةَ حوار الحضارات والعالَـم الواحد، وَنَوَتْ أَن تكونَ مواطنةً كونيةً تنطلق من وطنِها لبنانَ الذي، في أَساس تكوينه، أَرضُ اللقاء والحوار، أَرضُ الله مَعْبوداً بِعناقِ قرآنٍ وإِنجيل.
جابَت الصبية 40 بلداً عاينَت فيها ثقافاتٍ وقيماً وحضاراتٍ. اكتشفَت أَنَّ ما يَجمَع بينها أَكثرُ مما يفَرِّقُها، وأَنَّ مَن يَعي تلك العناصرَ الجامعةَ يَــبْــلُــغُ أَن يكونَ مواطناً عالـمياً يَكُنُّ الوفاء لِما اكتسَب، يُبقي الولاءَ لوطنه الأَوّل، ويَفهم أَنَّ قَبول الآخر بحضارته وثقافته يساعدُ في إِبعاد الحروب وتقريب السلام.
وبين رحلةٍ ورحلةٍ تكتُب، تكتُب لا تَرتوي من عطش الكلمة. بالإِنكليزية كتبَت تقاريرَ ودراساتٍ عن تعليمِ المرأَة وتربيتِها وتثْقيفِها وحقوقِها المهدورة في بلدان تاعسةِ النِّظرة إِلى المرأَة. وبالعربية راحت تكتُب انطباعاتٍ وجدانيةً ومشاهداتٍ شاعريةَ النّفَس جمعتْها في كتابها الثالث “… يلُفُّ خصر الأَرض”.
زمنٌ سابع:
في الذكرى الأَربعين لبداية الرِّحلات إِلى بلدان الوطن الواحد، والصبيةُ التي كانتْها باتَت سيِّدةَ قلمٍ ورسالةٍ ولا تزالُ صبيةَ تحقيقِ الحُلم، قرَّرت أَن تَنقُل تجربتَها من الذاكِرة إِلى الذِكْر، فَدوَّنت “ثقافاتٍ ولا حدود” اكتنَزتْها إِبّان تلك الأَربعين من السنوات، رحَّالةً رسوليةً باحثةً عن تعليم المرأَة في أَكثر مجتمعاتِ الدنيا فَقراً وبِدائيةً وجَهْلَ حقوق. رسمَت في كتابها الجديد خَطاً فصيحاً لتجربتها في الدُّوَل النامية بتأْسيس برامجَ تربويةٍ لتعليم المرأَة وتحويلِها قوةً اجتماعيةً ساطعةً، بتعزيز حقوقِها وتأْمين تَطوُّرها، وإِسهامِها في تَحَوُّل مجتمعها نحو الأَرفع حتى يُصبحَ فاعلاً بين سائِر الدول وباقي الشعوب. لأَجل هذه الرسالة عمِلَتْ في دُوَل أَفريقية وآسيوية ومتوسطية تستلَّ قيَمَها وتُعيدُها إِلى شُعوبها برامجَ للمرأَة تُحَسِّن وَضْعَها التربويّ والتعليميّ. لأَجل تلك الرسالة نذَرَت نشاطَها لتوعية المرأَة وصَقْل دورِها في المجتمع، وكلُّ ذلك من حبِّها الحياةَ والجمالَ أَخذَتْهُما معها من جمال لبنان ورسالتِه، وراحَت تَــنْــثُــرُهُـما، حيثما حلَّت، على صورة وطنِها لبنان، وأَثبَتَتْ إِمكانَ تَجاوُزِ الحدودِ، كلِّ حدود، ، بُلُوغاً إِلى الآخَر، كلِّ آخَر، وإِقامةِ السلام معه بواسطة التربية والحوار.
أَهدَت كتابَها الجديد إِلى جناحَين: أَوَّلُهُما “إِلى صبايا أَفريقيا وآسيا والشرق الأَوسط، المكافِحاتِ لنَيْل حقوقهنّ في التعلُّم، الـمُــثْــرِيَاتِ العالَـمَ كلَّه بِــنِضالِـهِنّ الـمثابِر”، والجناحُ الآخر: “إِلى والدَيَّ أَلْبرت ولورين مُعَلِّـمَـيَّ أَنّ خِدمة السّوى ينبوعُ السعادة في الحياة”. وإِخالُ أَلْبرت ولورين الريحاني، مِن حيثُ هما الآنَ في العالَـم الآخَر، مغتبطَين أَنهما غادَرا هذا العالَم تاركَيْن فيه ابنةً يَفخَرُ بها وطنُها الأَوّل ويعْتَزُّ بها الوطنُ العالَـمِيُّ الذي تَخدُمُه.
زمنٌ ثامن:
لا تَــتــعـبُ السنونوّة من غجريَّة الترحال.
ذات تموز تعود إِلى أَرضِها الأُم. يحتفلُ بها وطنُها الأَوّل والأَحَبّ.
تُدرك نوستالجيّاً أَنّ الطريق من بـيروت إِلى واشنطن دائـريةٌ تُؤَدِّي دائماً إِلى بيروت.
تُدرك أَنّ ترحالاتها جميعَها افتراضيةٌ في الزمان، واقعيةٌ في المكان، ذابَت فيها المعالم فهي ثقافاتٌ ولا حدود، وذابَت الهنيهةُ في المدى فهي وَمضةُ برقٍ على “جادة الرؤْيا”، والرؤْيا حُلْمُ صبيّة وقفَت ذات غروبٍ على شرفة بيتها العالي تحلُم بِــبعيدٍ يحملُها إِلى الضفة الأُخرى من الكوكب. غَرُبَ الغُروب، أَشرَقَ الغَرب، سطعَت شمسُ تلك الصبيّة، فرَسمَت بحُلمها مساحةَ احترافها منذوراً لخدمة المرأَة تحت كل سماءٍ تُظَــلِّلُها. حَمَلَت بَرَكَةً من بيت الفريكة، دارَت بها في العالم، دارَت، دارَت، وحين عادَت لتلتقي صبيةَ الأَمس الواقفةَ تَحلمُ على جفْن بيتها في الفريكة، وجدَتْها تَـحَـقَّقَ حلمُها: أَصبحَت مواطنةً عالمية.
مواطنة عالمية من لبنان هُويَّـــتُها: مي الريحاني.
الوكالة الوطنية للأعلام
الخميس 16 تموز 2015 الساعة 13:23
ندوة حول كتاب مي الريحاني: مواطنة عالمية نذرت نفسها لمهمة رسولية إنسانية
وطنية – أقيم في مركز عصام فارس في سن الفيل، ندوة عن كتاب الأديبة والشاعرة اللبنانية المقيمة في الولايات المتحدة مي الريحاني، الذي صدر بالإنكليزية بعنوان “ثقافات بلا حدود”، والذي يتحدث عن تجربتها وفكرها، وذلك في حضور فاعليات ثقافية واجتماعية.
منسى
بداية تحدثت الكاتبة مي منسى وقالت:”إن كتاب ثقافات بلا حدود ليس استراحة جندي أدى واجبه في ساحات القتال ولا رواية من نسج الخيال، بل أن القلم فيه يقرب المسافات ويلغي الغياب، لململت فيه الذكريات وجمعتها في صفحات عطشى إلى قلم يغمس ريشته في دم الحياة، لأن مي الريحاني أدركت أنها منذورة لمهمة رسولية كلها تحديات، وهي المتشوقة لتجاوز الحدود واكتشاف العالم.”
ولفتت “إلى التشجيع الذي لقيته الريحاني من صحيفة النهار وروادها في فتح الصفحة الثقافية أمام قلمها، وإلى تأثير الجو المحموم بالثقافة والادب في الستينات على وعي الاديبة، إضافة إلى تأثير الجو العائلي المتميز بالادب الرفيع“.
وتابعت:”إنَّ انتقال الريحاني إلى واشنطن كان ولادة ثانية لها، وإن جغرافيات العالم الثالث بمآسيها وبؤسها وافتقار بناتها إلى الكتاب ونسائها إلى الحقوق الإنسانية البديهية نادت الريحاني لأن المخزون الذي تربت عليه صار مادة نضالها وهدفا إنسانيا لوجودها، فكانت أغصانها تهف إلى عوالم تئن فيها المرأة تحت قرون من البؤس والجوع والجهل، ورفضت أن تكون النعم التي تلقتها سدودا بينها وبين الآخر.”
زغيب
ثم كانت كلمة الشاعر هنري زغيب حيث عرض فيها نشأة مي الريحاني العائلية والمهنية، فقال:”إن الريحاني نشأت في بيت يشع بالادباء والشعراء والمفكرين العلمانيين المنفتحين، وإنها وعت منذ طفولتها تفاعل الحضارات وتقبل الآخر المختلف. لقد عملت لتفعيل دور المرأة في المجتمع وأسست وساهمت في كل ما يفعل مشاريع تعليم المرأة وتطويرها في أكثر من أربعين بلدا، وبسبب هذه التجربة الكبيرة اكتشفت أن ما يجمع بين هذه الثقافات أكثر مما يفرِّقها، وأن قبول الآخر بثقافته وحضارته يساعد في إبعاد الحروب وتقريب السلام.”
ووصف زغيب الريحاني “بالرحالة الرسولية التي عملت لتعليم المرأة وتمكينها في أكثر مجتمعات الدنيا فقرا ويدائية وجهل حقوق، ونذرت نفسها لهذا الهدف”. وقال:”إنها رسمت في كتابها الجديد خطا فصيحا لتجربتها في الدول النامية بتأسيسها برامج تربوية لتعليم المرأة وتحويلها قوة اجتماعية ساطعة بتعزيز حقوقها وتأمين تطورها وإسهامها في تحول مجتمعها نحو الأفضل“.
وختم زغيب بالقول إن “السنونوة لا تتعب من غجرية الترحال، وإن الريحاني تدرك أن الطريق إلى واشنطن ستؤدي بها لاحقا إلى بيروت، وإن ترحالات الأديبة والشاعرة اللبنانية افتراضية في الزمان وواقعية في المكان وذابت فيها المعالم فهي ثقافات ولا حدود، فرسمت الصبية بحلمها مساحة احترافها منذورة لخدمة المرأة تحت كل سماء فباتت مواطنة عالمية“.
الريحاني
بدروها اشارت الريحاني “الى انها أرادت من كتابها، إخبار الغرب أن بقاء لبنان كمساحة فكرية للحريات والتعددية الثقافية والديموقراطية هو الضمانة الوحيدة أو الخميرة الوحيدة لهذا المشرق كي لا تصبح اوطانه مبنية على لون واحد ودين واحد وثقافة واحدة“.
وشددت “على انه ساعة تمحى التعددية الدينية والثقافية والحضارية يخسر الإنسان قدرته على محبة الآخر وعلى احترام الآخر وتقديره والحوار الحقيقي معه”، مشيرة “إلى أنَّها أرادت أن يعرف القاىء الغربي أن لبنان في الخمسينات والستينات كان يحاول أن يحتضن جميع الحريات في الفكر والنشر والصحافة والتظاهر، وأن مسيرة لبنان مبنية على محاولة بناء نموذج لحضارة مميزة في المشرق لأنها مبنية على التعددية الحضارية“.
وأكدت “أنه عملت من أجل ان يسمع الأميركي صوتا من لبنان يكلم عن هذا الوطن الصغير الذي يحمل رسالة مغايرة وكبيرة في المشرق تعترف أن لبنان هو مساحة فكرية بقدر ما هي جغرافية تتنفس فيها الحريات والتعددية وتلتقي فيها الديانات والثقافات على جسر واحد، للمرأة فيها الدور الريادي والفعال ويتجرأ فيها الأدب والشعر على كسر التقاليد الفكرية“.
وأعلنت “أن لبنان سيبقى مدافعا عن أقانيم الحريات والتنوع والتفاعل الحضاري وأنه عندما سينتهي ما وصفته بالكابوس الحالي في المشرق سيستطيع لبنان أن يعيد تمكين هويته المتميزة إن صان أقانيمها“.
ولفتت الى “دور المناخ الفكري في عائلتها على تنشئتها وعلى عملها لتحقيق الأهداف الإنسانية التي آمنت بها”، وقالت:”إن مناخ العائلة كان مبنيا على أسس عدة أبرزها المساواة بين المرأة والرجل وعدم التمييز بين الأديان السماوية، وأنَّ التنوع مصدر غنى، إضافة إلى احترام الآخر وخاصة الآخر المحروم واعتبار خدمته واجب على كل إنسان“.
وشددت “على فهم الآخر والتفاعل معه وعلى أن الخيط الجامع بين البشر يتخطى الأديان والثقافات والأعراق، لأن الفروقات سطحية أمام العمق الإنساني”، ورأت “أن الثقافات متداخلة ولا حدود لها”، مشيرة “إلى أن كلما تعمقت الشعوب في القواسم المشتركة فيما بينها واعترفت بها واحترمتها، كلما اقتربت من المواطنية العالمية“.
جريدة النهار
ثقافات بلا حدود” لمي الريحاني: رحّالة رسولية عملت لتعليم المرأة“
من اليسار: منسى، زغيب، الريحاني وأبو حبيب، خلال الندوة. (ناصر طرابلسي)
“النهار” 17 تموز 2015
أقيمت في مركز عصام فارس في سن الفيل ندوة عن كتاب الأديبة والشاعرة اللبنانية المقيمة في الولايات المتحدة مي الريحاني، الذي صدر بالإنكليزية بعنوان “ثقافات بلا حدود”.وقدم الندوة السفير عبدالله أبو حبيب.
وقالت الزميلة مي منسى: “ليس كتاب ثقافات بلا حدود استراحة جندي أدى واجبه في ساحات القتال ولا رواية من نسج الخيال، بل إن القلم فيه يقرب المسافات ويلغي الغياب. لملمت فيه الذكريات وجمعتها في صفحات عطشى إلى قلم يغمس ريشته في دم الحياة، لأن مي الريحاني أدركت أنها منذورة لمهمة رسولية كلها تحديات، وهي المتشوقة لتجاوز الحدود واكتشاف العالم“.
أضافت: “كان انتقال الريحاني إلى واشنطن ولادة ثانية لها، وجغرافيات العالم الثالث بمآسيها وبؤسها وافتقار بناتها إلى الكتاب، ونسائها إلى الحقوق الإنسانية البديهية، نادت الريحاني لأن المخزون الذي تربت عليه صار مادة نضالها وهدفاً إنسانياً لوجودها، فكانت أغصانها تهف إلى عوالم تئن فيها المرأة تحت قرون من البؤس والجوع والجهل، ورفضت أن تكون النعم التي تلقتها سدوداً بينها وبين الآخر“.
وقال الشاعر هنري زغيب: “نشأت الريحاني في بيت يشع بالأدباء والشعراء والمفكرين العلمانيين المنفتحين، ووعت منذ طفولتها تفاعل الحضارات وتقبل الآخر المختلف. عملت لتفعيل دور المرأة في المجتمع، وأسست وساهمت في كل ما يفعّل مشاريع تعليم المرأة وتطويرها في أكثر من 40 بلداً، وبسبب هذه التجربة الكبيرة اكتشفت أن ما يجمع بين هذه الثقافات أكثر مما يفرِّقها، وأن قبول الآخر بثقافته وحضارته يساعد في إبعاد الحروب وتقريب السلام“.
ووصف الريحاني “بالرحالة الرسولية التي عملت لتعليم المرأة وتمكينها في أكثر مجتمعات الدنيا فقراً وبدائية وجهل حقوق، ونذرت نفسها لهذا الهدف”. وقال: “رسمت في كتابها الجديد خطاً فصيحاً لتجربتها في الدول النامية بتأسيسها برامج تربوية لتعليم المرأة وتحويلها قوة اجتماعية ساطعة، بتعزيز حقوقها وتأمين تطورها ومساهمتها في تحول مجتمعها نحو الأفضل“.
وأشارت الريحاني إلى أنها “أرادت من كتابها، إخبار الغرب أن بقاء لبنان كمساحة فكرية للحريات والتعددية الثقافية والديموقراطية، هو الضمانة الوحيدة أو الخميرة الوحيدة لهذا المشرق كي لا تصبح أوطانه مبنية على لون واحد ودين واحد وثقافة واحدة“.
وأشارت إلى أنَّها “أرادت أن يعرف القارىء الغربي أن لبنان في الخمسينات والستينات من القرن الماضي كان يحاول أن يحتضن الحريات كلها في الفكر والنشر والصحافة والتظاهر، وأن مسيرة لبنان مبنية على محاولة بناء نموذج لحضارة مميزة في المشرق لأنها مبنية على التعددية الحضارية“.
وقالت: “عملت من أجل أن يسمع الأميركي صوتاً من لبنان يتكلم عن هذا الوطن الصغير الذي يحمل رسالة مغايرة وكبيرة في المشرق، تعترف بأن لبنان هو مساحة فكرية بقدر ما هي جغرافية تتنفس فيها الحريات والتعددية وتلتقي فيها الديانات والثقافات على جسر واحد، للمرأة فيها الدور الريادي والفعال، ويتجرأ فيها الأدب والشعر على كسر التقاليد الفكرية“.
ولفتت إلى “دور المناخ الفكري في عائلتها على تنشئتها وعلى عملها لتحقيق الأهداف الإنسانية التي آمنت بها”، وقالت: “كان مناخ العائلة مبنياً على أسس عدة، أبرزها المساواة بين المرأة والرجل وعدم التمييز بين الأديان السماوية، وأنَّ التنوع مصدر غنى، إضافة إلى احترام الآخر وخاصة الآخر المحروم واعتبار خدمته واجبة على كل إنسان“.
وشددت أخيرا على “فهم الآخر والتفاعل معه”، وعلى أن “الخيط الجامع بين البشر يتخطى الأديان والثقافات والأعراق“.