حرفٌ من كتاب- الحلقة 230
“التاريخُ الحديث لسياسة لبنان الخارجية بعد الاستقلال (1943-1958)”
الأَحـد 19 تـموز 2015

Abbas Abou Saleh“أَهميةُ هذا الكتاب أَنه تجسيدٌ علميّ تاريخيّ وتربويّ لِـما نحتاجه كي نَعبُر من التاريخ العِلْمي البحت إِلى الذاكرة الجَماعية الحيّة والـمشتركة”. بهذه العبارة صدّر الدكتور أَنطوان مسرّة مقدِّمةَ كتاب زميله الراحل الدكتور عباس أَبو صالح “التاريخ الحديث لسياسة لبنان الخارجية بعد الاستقلال (1943-1958)“، ويواصل بأَنّ “هذا الكتاب، بما فيه من وثائقَ مُـحَـقَّقَة، يَحُثُّنا على وعي أَهمية لبنان الستراتيجية في العلاقات الدولية، خصوصاً عبر مراسلات السفراء الأَجانب وتصاريحهم، وعلى ضرورة أَن يعي اللبنانيون ثقافةَ الحذَر في التعامُل مع تلك العلاقات الدولية”.

          الكتاب بالإِنكليزية صدر العام الماضي عن منشورات “المكتبة الشرقية” في 326 صفحة حجماً كبيراً تَفتَتِحُه صورةُ أَوّلِ حكومة استقلالية ضمّت إِلى الرئيس بشارة الخوري والرئيس رياض الصلح الوزراء عادل عسيران، كميل شمعون، حبيب أَبو شهلا، سليم تقلا، ومجيد أَرسلان. وافتتح المؤلف الباحث كتابَه بمقدِّمةٍ شاملةٍ نبذةً عامة عن مرحلة ما قبل الاستقلال، حتى إِذا بلغ 1943 عَرَض وثائق من تلك الحِقبة وما رافقَها من أَحداث انتهت بخروجِ مسجوني راشيّا إِلى الحريةِ فإِعلانِ الاستقلال.

          وتنقَّل المؤَلف بعدها إِلى تحليل المفاهيم الأَساسية لسياسة لبنان الخارجية: منذ الميثاق الوطني والعلاقات مع الدول العربية والأُمم المتحدة حتى جلاء الجيوش الأَجنبية عن لبنان سنة 1946 وما كان لفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد السوﭬــياتي من تَدَخُّلٍ في هذا الشأْن.

          وتكون للبنان سياسةٌ خارجيةٌ خاصةٌ بين 1943 و1958 عبر جامعة الدول العربية التي شارك في تأْسيسها، وما لاقاه من مصاعب فرضتْها عليه مشاكل الوحدة العربية وإِشكالات دﭘـلوماسية تخلَّلَتْها ثورة بيضاء في أَيلول 1952 إِثْر اعتذار صائب سلام عن تشكيل الحكومة واستقالة الرئيس بشارة الخوري وتعيـينه قائدَ الجيش اللواء فؤَاد شهاب رئيسَ حكومةٍ مُوَقَّـتاً للإِشراف على انتخاب مجلس النواب رئيساً جديداً للجمهورية. ولم يَدُم الـمُوَقَّت سوى خمسةِ أَيام فقط، ففي اليوم الخامس انتَخَب مجلس النواب كميل شمعون رئيساً للجمهورية.

          ويعالج المؤَلف في تدقيق وتُـؤَدة مراسلاتٍ دﭘـلوماسيةً رافقت التهجير الفلسطيني الذي جاء بآلاف اللاجئين إِلى لبنان سنة 1948 والحركةَ الدﭘـلوماسية المواكِبَةَ في لبنان وفي الدول العربية. ويفصِّل المراسلات الدﭘـلوماسية إِبّان الحرب الباردة بين 1946 و1952، وما كان لها بعدئذٍ من ارتداداتٍ على سياسة لبنان الخارجية بين 1952 و1956 وتأْثير السياسة الإِقليمية على لبنان، ومشروع “الجمهورية العربية المتحدة” وهو آلَ إِلى فَسخ الوحدة بين مصر وسوريا، وسرعان ما اندلعَت تَرَدُّداتُه في أَحداث لبنان 1958 وما نجَمَ عنها من نتائِج على لبنان ظهرَت لاحقاً في المراسلات بين السفراء الأَجانب المعتَمَدين في لبنان ووزارة الخارجية في بلدانهم.

          كتاب الدكتور عباس أَبو صالح (توفّي سنة 2011) مرجعٌ علْميٌّ رصينٌ يُوَثِّق الحركة الدﭘـلوماسية خلال ثلاثَ عشرة سنة من تاريخ لبنان الحديث (1943-1958) وهي مرحلةٌ حاسمةٌ غَـيَّـرَت الكثير من مسيرة لبنان الدﭘـلوماسية والسياسية، أَبرَزَها وثائقَ ونصوصاً هذا الكتابُ الشَّـيِّـق.