حرفٌ من كتاب- الحلقة 229
“حياتي في كتاب”
الأَحـد 12 تـموز 2015

Nabih Marounالصعوبةُ في كتابة السيرة الذاتية أَن يَعرفَ كاتبُها كيف ينقُلُها من الذاتية إِلى الغيرية، فلا تعودُ سِيرتُه مرآةً تَنقل وجهه بل تتعدّى إِلى عَصَبٍ مشترَك يهتمُّ له السّوى كذلك، خصوصاً إِذا كان يتعاطى الشأْنَ العام أَو الخدمةَ العامة أَو العملَ العام، فينسُجُ شبكةً من العلاقات العامة لتطال سيرتُه الآخرين في حياته.

          هو هذا طابعُ السيرة الذاتية التي نسجَها رجلُ الأَعمال نبيه مارون في كتابه حياتي في كتابصدَر أَخيراً عن “دار الفنون” في 268 صفحة حجماً كبيراً يحمل في طيَّاته سيرة عِصاميٍّ بدأَ من التقَشُّف في مطالعه ليَبْلُغ أَن يكون صاحب مؤَسسة سياحية كبرى هي أَحدُ العناوين الرئيسة في بيروت يلتقي فيها رجال السياسة والاقتصاد في لبنان.

          تفتتح الكتابَ صورةُ المؤَلّف كاريكاتوراً لـﭙـيار صادق ومقدِّمة تمهيدية للأَديب جان كميد تَرسُم حياة نبيه مارون وهو يحتفل بعامه الخامس والثمانين ولا يزال ناشطاً على رأْس مؤَسسته يُديرها يومياً كأَنه في مطلع تأْسيسها، كأَنها جوهرتُه الجديدة يَسهر عليها كلّ يوم لتبقى مزدهِرةً من يومٍ إِلى يوم، وهنا قيمةُ سيرته التي تُعلِّم الجيلَ الطالع كيف يُقاوم الصعوباتِ واليأْسَ والإِحباطَ والأَيامَ القاسية تَـمَسُّكاً بالإِيمان والصبر والتصميم على الوُصول، والوصولُ يأْتي من صَلابة الإِرادة في مواصلة الجهد حتى بُلوغ القمة انطلاقاً من قناعته بأَن الأَبواب التي تُصادفُنا مسدودةً تكونُ مفاتيحُها في يدنا.

          تبدأُ مسيرتُه من ولادته مطلعَ العام 1927 في ضيعته ساحل علما المطلّة على خليج جونيه، في بـيتٍ متواضع وفي مدرسةِ الضيعة ذاتِ القاعة الواحدة ومُدَرِّسٍ متسلِّحٍ بقضيب الرمّان للأَولاد المشاغبين، عكس تعليمات المشْرف على المدرسة وغيرها في المنطقة: الأَخ يعقوب الكبُّوشي الذي بات اليوم طوباوياً على طريق القداسة.

          نشأَ الفتى في رعاية والده وديع تاجر الحبوب والحنطة، وخالِه بولس مراد المعروف بكتابتِه أُغنياتٍ أَبْرَزُها “يا مَن يَـحِنُّ إِليكِ فؤَادي” و”يا لور حبُّكِ قد لوَّع الفؤَاد”.

          وبعد دراسةٍ متوسطة في معهد الرسل/جونيه، خرج الفتى إِلى العمَل بادئاً بالخدمة عامِلَ تكنيسٍ وتنظيفٍ في دكانةٍ لبيع الشتول بدأَت منها رغبتُه في تَعاطي التجارة. لكنّ الأَيام دفعَتْه إِلى اطِّلاب الوظيفة فدخَل محاسباً في وزارة البرق والبريد والهاتف طيلة 7 سنوات طلَّق بعدها حياةَ الوظيفة وعاد إِلى رغبته الأُولى: التجارة، فراح يَدور في بيروت شارعاً شارعاً بحثاً عن محلٍّ يتعاطى صنعَ المأْكولات يُـحقّق فيه حلمه، حتى اهتدى سنة 1956 إِلى محل “الغُـندول” في آخر شارع مار الياس، طوّر فيه مع شريكين صناعة الشوكولا المحشوّة والخبز بحليب والبوظة الفرنجية الفاخرة، وأَخذَ يُوسِّع شبكةَ العلاقات مع المطاعم الكبرى والفنادق الرئيسة في البلد كالإِكْسِلْسيور والـﭙـالم بيتش، فازدهَر المحل واشتُهر، إِلى أَن زاره سنة 1962 المهندس العالمي ميشال إِيكوشار الذي كان، بطلب من الرئيس فؤَاد شهاب، يُخطِّط مدينة بيروت، فلفَت صديقَه نبيه مارون إِلى شارعٍ ضيّقٍ يعُجُّ بالشوك والصبّير سيكون شرياناً رئيساً في بيروت وسيكون اسمه” كورنيش المزرعة”، ونصَحَه أَن ينتقل إِلى ذاك الشارع، فاستقلَّ نبيه مارون بـمحلّه إِلى هناك، ولا يزال “الغُـندول” حتى اليوم عنواناً بارزاً من السياحة في لبنان.

          هي هذه نبذةٌ سريعة عن مسيرة نبيه مارون الصناعية التجارية السياحية، أَودَعَها كتابَه حياتي في كتاب” نموذجاً لِــلُبنانـيٍّ عِصاميٍّ بدأَ من أَسفل السفْح وبات اليوم، وهو في الخامسة والثمانين، شيخاً فتياً يُثْبِتُ أَنّ المغامرَةَ الـمُزَوَّدَةَ بالإِيمان تُوصِل صاحبَها إِلى القمم العالية من شاهق النجاح.