البادرةُ التي أَطلَقها سجعان قزي وزيراً للعمل بإِنشاء “البوابة الإِلكترونية للوظائف” وهي “تفتح الباب أَمام طالبي العمل للاطِّلاع على حاجة السوق والتعرُّف إِلى الجهة التي تطلب الوظائف”، تأْتي في موسم تسليم الشهادات الجامعية خطوةً أُولى أَمام شبابنا المتخرّجين تَطرحُها “المؤسسة الوطنية للاستخدام”.
صحيح أَن “دراسة سوق العمل في القطاع التجاري تحدِّد الاختصاصات المتوافرة وتدلُّ على مهَن متْخَمة وأُخرى شاغرة”، وصحيح أَن هذا المشروع “عابرٌ تخومَ الجغرافيا وحاجةَ المؤَسسات إِلى يدٍ عاملة وحاجةَ الباحثين عن وظيفة أَو عمل”، كما حدَّد الوزير قَــزّي البادرةَ، لكنّ هذه، على أَهميتها القصوى، تأْتي لتلبّي موجوداً راهناً فتعالجه بـما تستطيع.
غير أَن المطلوبَ الأَكثرَ إِلحاحاً: استدراكُ الواقع قبل بُلُوغه الراهن، وهذا مطلوبٌ أَوّلاً من الجامعات قبل سواها، وأَن يكونَ دورُها هي، لا طُلاّبها لاحقاً، استباقَ حاجات سوق العمل وأَقْلَمَةَ اختصاصاتها مع تلك الحاجات بإِنشاء اختصاصات جديدة مطلوبة، ووقْفِ اختصاصات سائدة لا إِقبالَ عليها لأَنها لن تكون مجديةً لـمتخرجيها لاحقاً.
وما دام العصر يتّجه سريعاً ومكـثَّـفاً صوب المواد العلمية والإِلكترونية والبيئية، على الجامعات أَن تُنشِئَ برامجَ ومحاضرات تتناسب وهذا الاتجاه. فماذا ينفع التخصُّص في الأَدب والتاريخ وسواهما، مثلاً، حين لن يكون أَمام المتخرجين سوى تدريس هذه المواد في الثانويات أَو الجامعات، على تُخمة ما في هذه وتلك من مُدرّسين يَفيضون عن المطلوب. وكي لا أَظلُم الـمتخصّصين في هذا الحقل، أَرى أَن المواد الأَدبية في حاجة إِلى تطوير وتحديث. فماذا ينفع التخصُّص في الشَمَقْمَقي والبطـليوسي والسِلّيك بن السِلِّكَة وتأَبَّط شراً والشَّنفَرى، حين الاتجاهاتُ الأَدبية بلغَت ما بعد النقد وبات الأَدبُ عنصرَ جمال لا تابوتاً ما زال الدارسون يـبحثون فيه عن الجثث.
المطلوب جامعياً: الارتقابُ لا الاحتساب. لا يكفي احتسابُ الواقع وتَدَارُكُ ما فيه واستلحاقُ راهنه، بل يجبُ ارتقابُ الـمتوقَّع وتخطيطُ ما فيه لتوسيع راهنِه حين يَحين. وهنا أَحرى بالجامعات، قبْل المتخرّجين وطالبي العمل، أَن تَدرُس داتا “البوابة الإِلكترونية للوظائف” فتلاحظَ الاتجاهات التي يأْخذها سوق العمل وتُوَجِّه برامجَها صوبه وتزيدَ شُــعَـبَ اختصاصاتها وتفتحَ فُرَص الالتحاق بها حتى إِذا تَـخـرَّج من تلك الاختصاصات طلاَّبٌ أَنْجزوها، وَجَدوا في سهولةٍ أَبواباً تنتظرُهم ليَدخُلوها ويُــغْــنُـوا مجالَها ويَغتني مجتمعُنا بمزاولتها.
دراسةُ سوق العمل مطلوبةٌ من المؤَسسات التعليمية قبل الدولة، وارتقابُ الاختصاصات المؤَاتية مطلوبةٌ لهذا السوق، وعندها تُقدّم “البوّابة الإِلكترونية” جَدوى أَوسعَ لأَرباب العمل وطالبي العمل، فَتَتَكاملُ الرؤْيا وينمو المجتمع وتَتَضاءَل الصفوفُ الطويلة على أَبواب السفارات.