منذ أَطلق أَندريه مالرو “المتحف الخيالي” سنة 1947 وطوَّر الفكرة وزيراً للثقافة بإِطلاق “لائحة الجرد العام للتراث الثقافي”، ومبدأُ تعميم الثقافة يراود المعنيين بشأْنها.
فكرة مالرو بـــ”إِيجاد مكان ثقافي ذهني وواقع تراثي روحي” اقتصرَت يومها على الفوتوغرافيا لغياب وسيلة أُخرى، لكنها كانت في أَساس ما جاءت به ثورة التكنولوجيا الإِلكترونية اليوم فأَطلقَت مواقع افتراضية تُتيح الاطِّلاع بزيارات اقتصادية (وَفْر في كلفة الانتقال وثمن بطاقات الدخول) وبتوسيع الأُفق الثقافي من مكانه المادي إِلى كلّ مكان في العالم.
وانبرَت المتاحف فأَنشأَت لـموجوداتها مواقع إِلكترونية تتيح زيارتها الافتراضية – من دون أَن تُغْني عن زيارتها المكانية – فتُعطي فكرة مشوِّقةً تساعد على الاطّلاع، كــ”مؤَشِّر أَفضل متاحف العالم وفْق عدد روادها”، من اللوﭬـر (الأَول سنة 2014 بتسجيل 9 ملايين زائر) إِلى الصيني الوطني (بكين) إِلى متحف التاريخ الطبيعي (واشنطن) إِلى المتروﭘـوليتان (نيويورك) وسواها، وهي وسائط ترغيب لزيارة تلك المتاحف الخالدة.
المتحف الافتراضي السيبرنيتي يوسّع المعرفة الثقافية بدون عبْءٍ اقتصاديّ. ليس بديلاً عن المتحف المكاني الضروريّ وُجودُه، لكنه مُكْمِلٌ إِياه ومُرَغِّبٌ فيه ومُساعدٌ على اكتشافه عن بُعد، لِـمَن لا تتوفّر لهم ظروفُ زيارته.
يحفزني على الكلام في هذا الموضوع إِطلاقُ “المتحف الافتراضي اللبناني للفنون الجميلة” هذا الأُسبوع، حقَّقتْه وزارة الثقافة تعاوُناً مع الـ”أَلبا” (“الأَكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة”) وجامعة البلمند، في عَرضٍ أَكاديمي موثَّق يقدّم إِلى المهتمّين – مثقَّفين وجمهورَ مُطّلعين – مجموعة وزارة الثقافة من لوحات ومنحوتات تجمَّعَت لديها منذ سنوات سحيقة وكانت مكدّسةً في دهاليزها معرَّضةً للتلَف والرطوبة والنهب، لا مَن يهتمّ لها رغم أَكداس كتاباتنا في منابرنا الثقافية الصحافية والإِعلامية، ومطالباتنا الملحّة بِإِنقاذ هذه الأَعمال وإِنشاء متحف للفنون التشكيلية يضمُّها إِلى أَعمال المكرَّسين من تشكيليّــينا، أُسوة بما في الدُّول حولنا من متاحف لهذه الآثار الفنية التي هي ذاكرة الوطن الإبداعية.
ولم يتحرك أَحد لهذا المتحف حتى انبرى له وزير الثقافة الحالي ريمون عريجي بجرأَة وعزم فتخطّى عائق الضآلة في ميزانية الوزارة، وعوَّض عن المتحف المنشود والمفقود بمتحف افتراضي لا يدّعي الاستعاضة عن متحف مادي لكنه ينشُر على العالم حجماً محترماً من روائع لبنان التشكيلية وأَعلامها المكرَّسين.
يبقى أَنّ إِشراك القطاع الخاص في مشاريع تَـخصُّصية معيّنة، يَدعم قُصور القطاع العام عنها، ومنها ضرورةُ إِنشاءِ “المتحف اللبناني للفنون الجميلة” بــإِمكانات تنقُلُنا من جمال الفضاء السيبريتي وتجعلنا، كسائر الدول الحضارية، في جلال الفضاء الواقعي.