لـوسائط التواصل الاجتماعي مفاعيلُ عِدةٌ، منها السلبيُّ كاختراقِها خصوصيةَ اللحَظات والمناسبات ونشْر لقطاتٍ منها على الناس، صُوَراً أَو أَفلاماً، بدون مسؤُوليةٍ ولا رادعٍ ولا حسبانَ لردود الفعل، ومنها الإِيجابيُّ كتصوير لقطاتٍ حاسمة، صُوَرٍ أَو ﭬـيديو، لحالاتِ جريمةٍ أَو حادثٍ أَو حادثةٍ أَو شِجارٍ أَو إِطلاقِ نارٍ أَو مشهدِ اعتداءٍ أَو اغتصابٍ أَو سرقةٍ أَو انتحار، ما يكونُ شاهداً على الحدثِ أَو الجريمة فَـيُسَهِّلُ على التحقيق إِجراءَه ومَـجْراه، ويَختصرُ الزمنَ الْــكانَ قبلُ مفْروضاً لاستكمال التحقيق في انتظارِ شهودٍ أَو استدعاءِ أَشخاصٍ عايَنوا أَو عرفوا أَو سمعوا، واستنطاقِهم واستجوابِهِم وتسجيلِ إِفاداتهم وضَمِّها إِلى الملَفّ وانتظارِ الجلسة بعد الجلسة والتأْجيل قبل التعجيل، حتى تُصدِرَ المحكمةُ قرارَها ولو بعد مدّة.
هذه الظاهرة، في إِيجابِــيِّــها الذي ذكَرْت، تَنفي عن المذْنب فرصةَ كَذِبه أَو زُورَ اعترافاتِه، وتُلغي إِمكانَ إِخفاء المعالم، وتَجعلُ الشاهدَ أَ و الـمُقترِفَ غيرَ قابلٍ التكذيب، بإبراز شهادةٍ في صورةٍ أَو فيلمٍ لا مجال لإِنكار ما فيها، فلا تَبقى جريمةٌ بلا عقاب. وفي هذا تسهيلٌ لسَير العدالة، وتسريعٌ لإِثبات التُّهمة، وحَسْمٌ في إِصدار الحُكْم، فلا استئنافَ للبداية، ولا تمييزَ للاستئناف، ولا مَفرَّ من نَيل المجرمِ عقابَهُ الذي يَستحقُّه وفْق حجْم الفِعلة أَو الجريمة.
مع هذا، قد يتَّخذ الفِعل اتجاهاتٍ أُخرى ملتوية أَو مستوية، فَتَتَدَخّل السياسة حيناً، والضغوطُ حيناً، والرشْوةُ حيناً، والتهديدُ حيناً، وربما تحصل جريمةٌ تالية لا لإِخفاء الشاهد بل لتضليل القضاء، ما يَجعلُ الفعْل يأْخذُ حجْماً آخَرَ وبُعْداً آخرَ وسياقاً تأْجيلياً أَو تمويهياً سرعانَ ما يعود اكتشافُه فيُثبِتُ الفِعْلةَ وينالُ مُجرمُها عقابَه بعد مَفَرّ.
هنا التكنولوجيا في سبيل الإِنسان، وفي خدمة العدالة والحَق والحقيقة وضمير القاضي الشَّهْم، بإِثباتٍ سَمعـيٍّ أَو بَصَريّ، يُبَرَّأُ بفضْله مَن لم يَقترفْ، أَو يُدانُ بِإِثباته مَن كان يُخفي أَو يُنكر أَو يُموّه أَو يَكْذِب. وفي لبنان والعالم شواهدُ سَمعيةٌ وأُخرى بَصَريةٌ أَثبتَت في شكل دامغ صابغ ما لا إِنكارَ معه ولا إِفلاتَ مِن حُكْم العدالة، في جريمةٍ تَـمَّت واختفَى شهودُها، أَو كادت أَن تَـتِـمّ، أَو كان يُـحَضَّر لها أَن تَــتِم.
يَـبقى أَن يتجاوزَ قوسُ المحكمة كُلَّ تَدَخُّل أَو وساطةٍ أَو تهديد، ليُصْدِر الحكْمَ صارماً قاطعاً مانعاً، فتستقيمَ العدالةُ وتَفرِض سَطْوَتها على الـمُجرمين فيَرتدِعون، وعلى المواطنين فَـيَـطْمَــئِــنُّــون، وبِـهَـيْـبَـة الدولة يَشعُرون.
أَما حين تَسقُط شُرعة الدولة وتنشُب شريعةُ الغاب، فلا فائدةَ بعدها من أَيِّ شاهدٍ إِلِكْـتروني أَو إِثباتٍ مُصَوَّر، لأَن العدالة لا تَعود في استواءِ ميزان العدل بل تَتَهاوى في مَهَبّ ريحٍ في الغاب وَحْشيةٍ جَموحٍ، قد تَبلُغُ أَن تغتالَ قاضياً أَو قُضاةً ولو… على عَرش قَوس المحكمة.