حرفٌ من كتاب- الحلقة 225
كتاب “غـسَّـان تويني – مسيرةُ لبنانيٍّ استـثـنـائيّ”
الأَحـد 14 حزيران 2015

 Colloque Ghassan Tueni“… وغـسَّـان الذي عرفْتُه رؤْيوياً سياسياً، عرفتُه أَيضاً رجُلَ ثقافةٍ جَـمَّة: بِسهولة تفكيكِه طلاسمَ موقفٍ سياسيٍّ مُعَقَّدٍ في لبنان أَو المنطقة، كان يُمكنه أَن يَتَحدَّث عن ﭘـاسكال أَو أَيِّ فيلسوف فرنسي. ولسنا نُغالي أَن نُـعَــنْــوِنَــهُ لـمؤْتَمَرنا “اللبناني الاستـثـنـائي”.

          بهذه العبارة البليغة ختَمَ خطابَه الافتتاحيَّ الـﭙـروفسور هنري لورَنس الأُستاذ في “كوليج دوفرانس” ورئيس المؤتمر الذي أَعدَّه هناك في 26 أَيلول 2013، بتنظيم “مؤَسسة غـسَّـان تويني”، تعاوناً مع “كوليج دوفرانس” و”مؤسسة عصام فارس”، وصدرَت نصوصُهُ كتاباً أَعرضهُ هذا الأُسبوع في الذكرى الثالثة لغياب عميد “النهار”.

          انسجاماً مع تسمية رئيس المؤتمر، حمَلَ الكتاب عنوان “غـسَّـان تويني: مسيرةُ لبنانـيٍّ استـثـنـائي“، وصدَرَ عن “دار النهار” في 100 صفحة قطعاً وسطاً، حاملاً شهاداتِ المشتركين في المؤتمر الذي انعقد في ندوتين، أُولى: رجلُ السياسة والدﭘـلوماسية، والأُخرى: رجلُ الثقافة والإِيمان.

          الندوة الأُولى أَدارها جيرار خوري، وتحدّثَ فيها مع دومينيك إِدّه حول “غـسَّـان تويني رجلُ عصر كامل“، وكريم بيطار سرَدَ “مسيرة مـثـقـف تعاطى السياسة“، وشهدَت ليلى شهيد لـمواقف “غـسَّـان تويني عن فلسطين“، ورسم ناصيف حتّي فترةَ “تويني ورحلة القرار 425“، وختم هنري لورنس بــ”القرار 425 في الأَرشيف الفرنسي“.

          الندوة الأُخرى أَدارها هنري لورَنس عن “غـسَّـان تويني رجل الثقافة والإِيمان” فتحدَّث طارق متري عنه مثقَّفاً، وكارول سابا عنه “مُؤْمناً بين أَنطاكية وبيزنطية وموسكو ونجمة الأُرثوذُكْسية”، ويوجين روغان في انطباعاتٍ عنه بريطانيةٍ وأَميركية، وتحدَّث عنه مروان حمادة “صحافياً مناضلاً لبنانياً ذا رصْد عربي“، وختم أَندريا ريكاردي بشهادة شخصية.

          يضيق وقتُ هذه الحلقةِ الضئيلُ لاختيارِ لُـمَـعٍ من تلك الكلمات المؤثِّرة العميقة، تناولَت غسَّان تويني قامةً لبنانيةً جمعَت فيها الصحافي، ورئيسَ التحرير، والأُستاذَ الجامعي، والنائِب، والوزير، والسفير، ورئيس الجامعة، والعضوَ المؤَسّس في المؤَسسة الوطنية للتراث، ورئيسَ لجنة متحف سرسق للفنون، ومؤَسّسَ “دار النهار” للنشر، ونائِبَ رئيس مجلس النواب، والممثّلَ الشخصيّ لرئيس الجمهورية في الولايات المتحدة، ومندوبَ لبنان الدائم في الأُمم المتحدة، ومستشارَ رئيس الجمهورية لشُـؤُون الأَمن الوطني، وهو قَبْلها جميعِها ومعَها جميعِها: الكاتبُ المسنونُ القلَم على صخرة لبنان الثقافة والحضارة.

          يضيقُ الوقتُ؟ صحيح. لكنه، على ضآلته، يَـعْـذُبُ في الحديث عن رجُلٍ متعدِّد، فَردٍ بِــإِرث جمع، مُفْردٍ كثير، مَــرَّ في تاريخ لبنان الحديث كما يَـمُرّ العرّاف الإِغريقي في أَساطير اليونان: صوتاً هادراً من بعيد، حاملاً رَعْدَ الماضي إِلى بَرق الحاضر، فاتحاً كُوَّة الإِيمان بِأَنْ يكونَ الغدُ الآتي حُلماً مفتوحاً على وَسَاعة الرجاء الكبير.

هكذا أَظُنُّ غـسَّـان تويني رأَى إِلى مستقبل لبنان، وهو يُغمِض عينيه عليه للمرَّة الأَخيرة.