من الضّياع الذي يعيشُه شعبُ لبنان في هذه الفترة المحتدِمة، ظهَرَ شابٌّ يدعى عُمَر معانياً ضياع أَمله وهو يجُول في مدينته بــيروت، بين شوارعِها ومبانيها، منكسِراً على صَدمةٍ يُواجهُها أَبناء جيلِه الضائعون مثلَه بين معادلات السياسيين.
هذا الضّياعُ الـمُـرّ حملَهُ المخرج اللبناني إِيلي داغر – خِرّيج الـ”أَلبا” وساكنُ بلجيكا – إِلى مهرجانِ “كانّ” السينمائي في دورته الثامنة والستين ففاز فيلمُه “أَمواج 98″ بـ”جائزة السَّعَـفَـة الذهبية” ليكون أَوَّلَ لبناني يفوز بهذه الجائزة الكبرى من مهرجان “كانّ”.
بــ14 دقيقة اختصر المخرجُ اللبناني الشاب (29 سنة) تَجاذُبَ عُمَر بين البقاء في وطنه أَو هَجْرِه، بين حُبّ الوطن واليأْس من الوطن، بين انتظار الأَمل وفُقدان الأَمَل، في وطنٍ تشلِّعُهُ معادلاتٌ يتجاذبُها سياسيُّوه على أَنها “ذهبية”.
سَعَفَةٌ ذهبية ينالها لبناني شاب على فيلم قصير يعكس تَضَعْضُعَ جيله في وطن تُضَــيِّــعُـه معادلة ذهبية.
وإِنها حقاً معاناةُ الجيل اللبناني الشاب يَصدمُه التَلاطُم القاتلُ في خُطَب السياسيين وتصاريحهم ولغتهم الخشبية ومعادلتهم الذهبية، وكلٌّ يشدّ بالوطن إِلى كُتلته وتكَتُّله ومعسْكره وتياره وحزبه وتجمُّعه وقواه السياسية.
ويَصرخ الشعب اللبناني: “إِلى أَين يأْخذنا هَؤُلاء؟ ما الذهبيُّ في معادلةٍ تأْخذ بنا إِلى هاوية ذهبية، وتعطيل ذهبي، وشغور رئاسي ذهبي، ويأْس ذهبي، وقُصور ذهبي، وعجز ذهبيّ، ونعْيٍ ذهبي للديمقراطية والحياة الـﭙـرلمانية والحكومة الفاعلة والعدالة الفعلية، وكلٌّ يقدِّم نظريته على أَنها “معادلة ذهبية”؟
غَرِقَ الوطن في معادلاتهم الذهبية ولا يزالون يَتَناتشون الوطن.
يتقاسمون جسَد لبنان تفسيخاً وتقطيعاً ولا أُمَّ تصرُخ فيهم: “إِنه وَلَدي لا تقتلوه”.
أَين أُمُّ الصبي وكلُّ جهةٍ تدَّعي أَنها أُمُّه؟
أَين حياةُ الصبي وفوق رأْسه خناجرُ، وكلُّ خنجر يدّعي أَنه رأْس الخلاص؟
أَيُّ فَــنٍّ هذا في تذويب الوطن وتَفْتِيتِه ولا سَعَفَة تُسْعِفُهُ بإِسعافٍ حقيقي؟
هناك في “كانّ” سَعَفَة ذهبية بإِجماع التصفيق الحاد، وهنا في الوطن معادلةٌ ذهبية لا إِجماع حولها بل صراخٌ حادّ.
هناك في “كانّ” فوزُ الحياة في فيلم لبناني قصير، وهنا في لبنان فوزُ الموت في رعب لبناني طويل.
سنةٌ كاملةٌ من دون رأْسٍ للوطنِ وكلٌّ يدَّعي أَنه الرأْسُ ولا رأْسَ سواه، والوطنُ ضائعٌ تائِـهٌ بين رأْس مُعَطِّل ورأْس مبطِّل، والشعبُ اللبناني ضائِعٌ تائِـهٌ يَبحث عن سَعَفَة تأْتيه لا من معادلةٍ ذهبية بل متواضعةٍ تؤَمِّن لأَبنائه الرغيف، لمستقبله الأَمْن، ولجيله الجديدِ الأَمان، قبل أَن يَفْرَغَ الوطن من دمِه النضِر فلا يـبقى فيه إِلاّ حاملو مُعادلاتٍ رفَعوها ذهبيةً وسقَطت من أَيديهم دونكيشوتيةً خشبيةً صَرْعَى على أَرض طواحين الفراغ.