وسْطَ ما نعيشه هذه الأَيام من محاكم مدنية وعسكرية ودولية، وأَحكامٍ بعضُها متوقَّــعٌ والآخَرُ صادمٌ حين الجريمةُ أَكبرُ من الحُكم، أَعود بالذكْر إِلى جرائم كبرى من التاريخ، في طليعتِها “الجريمةُ ضدّ الذات الـمَلَكية” بأَحكامِ عقوبتِها في روما (القرن الأَول قبل المسيح) وكانت تشمُل مَن تآمَروا على السلطة أَو الجيش أَو الشُّؤُون العامة بجرائمَ تُؤْذي جلال الشعب الروماني.
في هذا السياق، قبل أَيام، قيامُ الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أُونْ بِــإِعدام وزير الدفاع في حكومته هْيون يونغ شُول لأَنه ضُبِطَ نائماً أَثناء عرضٍ عسكري لجيش بلاده، فاعتُبِر ذلك إِهانةً للجيش والشعب، واستحقَّ عليها الإِعدام رمياً بمدفعٍ مُضادٍّ الطائرات.
ومن الأَنواع الأُخرى: “الجريمةُ ضدّ الإِنسانية” كما وصَفَتْها المادةُ السادسة من المحكمة الدولية في نورمبرغ، وفيها إِدانةُ مَن يقوم بعملٍ يُهدِّد شعباً، أَو بعضاً من الشعب، وهو قرارٌ تَــبَــنَّــتْــه الأُممُ المتحدة سنة 1948 لتُبنى عليه أَحكامُ الجرائم المماثلة.
تلك الجرائِمُ عرفَت أَحكاماً: منها الإِعدامُ شنقاً، أَو رمياً بالرصاص، أَو سِجناً مُؤَبَّداً مع الأَشغال الشاقَّة، كي يكونَ تنفيذُ الحُكْم بالمجرمين رادعاً حازماً حاسماً فينجو الوطن والشعب مِن مُؤَامرات تَقضي على هَــيْــبَــة الدولة والعدل والمحاكم والقضاء.
وقد يكون المجرمُ حاكماً، أَو مِن أَهل الحُكْم، فتكونُ جريمتُه عندئِذٍ “خيانة عُظمى” عقوبتُها تَقصِم عنقَ المجرم في أَيِّ وجهٍ من وجوه الإِعدام، بأَحكامٍ فورية أَو عُرفية أَو تقليدية.
الخياناتُ لا حصرَ لأَضرارها وضحاياها، من أَطفالٍ وأَبرياء وأَفراد وجُمُوع، وجميعُ تلك الــ”لا حصر لها” تَنحصرُ عقوبتُها بمعاقبة المجرم في ما تراه العدالة على حجْم ضخامة جريمةٍ أَقلُّ أَخطارِها قَـتْلُ الناس المجاني.
ونادراً ما شهِدَ التاريخُ جرائمَ ظَـلَّت بدون عقوبةٍ فبقيَت ضائعةً حقوقُ الأَبرياء، لكنّ التاريخ، ولو بَعدَ حين، يكشِفُ الحقيقةَ فتُعادُ محاكمةُ المجرم ولو بَعد موته. وقد يَحدُثُ أَن تلتوي الأَحكامُ القضائية فـتـتحوَّلَ من عَدالةٍ تَدين الجريمة إِلى حُكْمٍ يُنقذُ المجرم، حاكماً كان، أَو مِن أَهل الحُكْم، أَو مدعوماً مِـمَّـن يَضغَط على هيئة المحكمة إِرضاءً للحاكم أَو لِـمَن يُـريده الحاكم.
في عادة القاضي أَن يُصدِر الحُكْمَ بِاسْم الشعب، فتصلَ الشعبَ حقوقُه بمقاضاة المجرمين. أَما إِذا الْتَوَت العدالةُ وكان الحُكْم “على” الشعب لا “بِاسْم الشعب”، فلا بُدَّ للشعب أَن يَرفضَ ويثورَ ويظلَّ يَرفضُ ويثورُ حتى تنفجرَ الحقيقةُ في وجه مُزَوِّريها.
وعندما لا يكون الحُكْمُ عادلاً في قرار المحكمة، يكونُ عادلاً في قرار الشعب حين يُقَرِّرُ الشعبُ أَن يقولَ “لا” لِـمَن يُــزَوِّرون بِاسمه الأَحكام فَـــيُــبَــرِّئُــون القاتل ويَحكُمُون على القتيل.