كثيرةٌ هي الكتُب والأَبحاث الصادرةُ عن تنقيبات إِرنست رينان في لبنان، وما نَجَم عنها من نتائجَ لعلّ أَبرزَها كتاب رينان “بعثة في فينيقيا” الذي احتفلت فرنسا بمرور بمئة وخمسين عاماً على صدوره سنة 1864.
غير أَن في كتاب المحامي والباحث الدكتور هيام ملاط “رينان في لبنان” إِضافاتٍ مهمَّةً إِلى ما صدر، خصوصاً في نشْره مراسلاتٍ لـرينان رسمَت في هذه الكتاب خارطةً تاريخية وأَدبية عن سنة كاملة قضاها رينان في لبنان بين تشرين الأَول1860 وتشرين الأَول 1861، وما لاقاه إِبّــانها من صعوبات لوجستية وبشرية ومناخية وتنظيمية.
من هذه الخارطة: وصولُه إِلى بيروت في 21 تشرين الأَول 1860، سَكَنُه في عمشيت لدى زخيا شلهوب الكلاّب، بَدءُ تنقيباته في بيبلوس أَوائل كانون الأَول، انتقالُه في شباط إِلى صربا/جونيه لدى تُرجمان القنصلية الفرنسية في بيروت دومينيك خضرا وعندَه كتَب تقريرَه إِلى ناﭘــوليون الثالث الذي أَرسله على رأْس هذه البعثة، انتقالُه إِلى صيدا في أَواخر شباط، فإِلى صُوْر في آذار ومنها إِلى محيط قانا، عودتُه إِلى عمشيت مع مطلع نيسان، انطلاقُه مجدَّداً إِلى أَرواد وعمريت وأُم العواميد في سوريا، ثم إِلى فلسطين وزيارته عكا ونابلس وحيفا والكرمل والناصرة وجبل طابور وصفد وبحيرة الحولة. وفي عودته مَـرّ بصربا مجدَّداً لكتابة تقريره الثاني، ومن صربا زار الغينة في فتوح كسروان ثم عينطورة وريفون وفقرا وفاريا وأَفقا والعاقورة وبحيرة اليمّونة وبعلبك ودير الأَحمر والأَرز وإِهدن وبزيزا ورأْس الشقعة وأَنفة وسمار جبيل والمشنقة وأَعالي جبيل والبترون: مشمش وجْرَبتا وجاج وترتج وتنورين ودير حوب ودوما وتولا، وعاد في تموز إِلى عمشيت ليغادرَها مجدَّداً إِلى جبل موسى وفتقا، خاتماً تنقيباته في آب، فاقداً شقيقتَه هنريـيت في أَيلول وحاضراً دفْنها في عمشيت التي غادرها في 10 تشرين الأَول 1861 عائداً إِلى ﭘــاريس.
تكتسب هذه الخارطة أَهميتها بتفاصيل ذكَرها رينان في كتابه الضخم، ومكتشفاتٍ عثر عليها إِبان تجوُّلاته وتنقيباته في تلك الأَماكن. وواضحةٌ من نص رينان ثقافـتُه الواسعة في كونه قرأَ مسْبَقاً ما كتبَه عن أَرضنا مؤَرِّخون فرنسيون وأَلمان ويونان ولاتين، استَشهد بهم عند وضْعِه كتابَه.
كتاب هيام ملاط دقيقٌ موثَّق، فيه مقدمةٌ توضيحية وخاتمةٌ استنتاجية، وبينهما أَربعةُ فصول تناول فيها إِطار البعثة السوسيو-سياسي، وهدفَ البعثة وتنظيمَها ومراحلَها، ونتائجَ التنقيبات والمكتشفات.
الكتاب بالفرنسية (Renan au Liban) في 134 صفحة قطعاً وسطاً، صدَر سنة 1996 لدى منشورات “ملفّات العالم العربي” (FMA)، يفصّل جولات رينان في بلادنا، خصوصاً في عمشيت التي سكَنَها وأَحبَّها، وفي غزير التي احتضنَـتْـه أَياماً خصيبةً كتَب فيها رائعتَه الخالدة “حياة يسوع”، فتكونُ أَرضُنا شهدَت ولادة كتابَين من أَهمّ ما صدَرَ عن موضوعهما حتى اليوم.