إِذا كان التأْريخُ عصبَ كتابة التاريخ، فَفَهْرَسَـتُـه نبْضُ هذا العَصَب. من هنا أَنّ أَعمال الفَهْرَسَة مُهمّةٌ بقَدْرما مُهِمَّةٌ كتابةُ التاريخ. والفَهْرَسَةُ باتت فرعاً مستقلاًّ في علْم المكتبات لأَنها تقود مباشرةً إِلى المطلوب دون الاضطرار للعودة إِلى مجموعاتٍ كاملةٍ سَعياً إِلى مبحث واحد. ولنا في فِهْرِسْت ابن النَّديم مِثالٌ ساطعٌ على ذلك.
المؤَهَّل أَوّل في الجيش اللبناني علي حسين مزرعاني أَدركَ هذا الأَمر فانصرفَ دَؤُوباً إِلى جَمْع ما صَدَر من مؤَلفاتٍ وأَبحاثٍ ونصوصٍ عن الجنوب وجبل عامل، وأَصدرَها أَخيراً في كتاب موسوعيِّ الحجم من 168 صفحةً، عنوانُه: “فِهْرِسْتْ جبل عامل – لبنان الجنوبي بين 1906 و2013” حاملاً أَغلفةَ الكتب والمنشورات مع نبذةٍ موجزة عنها وعن مؤَلّفيها، ما يُغْني الباحث عن ارتياد المكتبات سعياً إِلى ما صدَر من كتُب حول الجنوب أَو جبل عامل.
في مقدِّمة الكتاب ذكَرَ الأَديب حبيب صادق أَنّ “هذا الجهد أَوسعُ من أَن يقوم به فردٌ متفرغِّ، فكيف بِـمَن تَشْغَلُه وظيفتُه العسكرية”. وفي كلمةٍ خاصةٍ بالكتاب أَشار الشاعر محمد علي شمس الدين أَنّ “علي حسين مزرعاني تَقصّى في عملِه ما يزيد عن أَلف مرجع متنوّع بين كتابٍ وصحيفةٍ وملصَق ليَنشُرَ صُوَرَها وموجَـزاتٍ بأَسمائها وأَسماءِ أَصحابها وأَماكن وتواريخ النشر وعددِ الصفحات في كلّ مرجع، ما يَدُلُّ على صِفتَين لديه تلازَمَتا: الجَلَد في البحث والشغَف في الاكتشاف”.
في المدخل أَشار المؤَلف إِلى أَنّ حافزه لوضْع الكتاب: ضَياعُ كثير من مؤَلّفات ومطبوعات ومنشورات وصحُف ومجلات، منذ مطلع القرن العشرين حتى اليوم، تناولَت لبنان الجنوبي وجبل عامل، ولذا عَمِل قُرابةَ 40 عاماً على جمْعها وتوثيقها في مجلَّدٍ واحدٍ تسهيلاً للباحثين، وسَـرَدَ ضنى البحث عن كلّ مرجع ومحاولاتِهِ الحصولَ عليه باتصالات ومراجعات مرهِقة إِنما لذيذة.
بهذه الروحية الشَّغوف سَلْسَلَ علي حسين مزرعاني كتابَه على اثنَي عشَر فصلاً، أَوَّلُها جبل عامل في التاريخ حتى 1958، ثم ترسيم الحدود بين القُرى السبع ومزارع شبعا، فلبنان الجنوبي بين 1965 و1981، فاجتياح لبنان 1982 وتداعياته، تلاه فصل لبنان الجنوبي بين 1985 و2000، وحزب الله والمقاومة الإِسلامية، فلبنان الجنوبي وعدوان تموز 2006، وبعده فصلٌ خاص ببلدات ومناطق عاملية وجنوبية، ففصلٌ مخصَّصٌ لوجوهٍ وشخصياتٍ في الأَدب والثقافة، يليه فصلٌ عن الصحافة الجنوبية إِصدارات ومنشورات، وختاماً الملصقات السياسيات عن الجنوب وجبل عامل.
بهذه الـﭙـانوراما الواسعة من الوثائق والوقائع والأَرقام والتواريخ، وفَّر علي حسين مزرعاني البحثَ عن أَيِّ مرجع مطبوع حول جبل عامل وجنوب لبنان ما يَجعلُ كتابه “فِهْرِسْتْ جبل عامل – لبنان الجنوبي بين 1906 و2013” (وهو رابعُ كتُبه بعد ثلاثةٍ عن النبطية) مرجِعاً ضرورياً لكلِّ مَن يَحتاج مَصدراً عن جنوبنا، وهذه رسالة الفِهْرِسْت في كل حقل وموضوع.
وحبَّذا لو يَـتَـنَـبَّه الزملاء الأَكاديميون المشرفون على طلاب الماجستير والدكتوراه فيرشدونهم إِلى فَهْرَسَة الكثير من المؤَلّفات والمنشورات والدوريات فيكونُ لنا فِـهْـرِسْـتٌ واسعٌ لتراثِنا الوطني يُغْني عن البحث المضْني ويُسَهِّل الكتابة في أَعلامنا وأَعمالهم الغنيّة.