حرفٌ من كتاب- الحلقة 206
كتاب “الصحافةُ… دعوةٌ لبنانية”- الدكتور أَنيس مسلِّم
الأَحـد أَول شباط 2015

Anis Moussallem

            بأُسلُوبه الرصين، وفكره الأَكاديمي، ونهجه الجامعيّ، أَصدر العميد الدكتور أَنيس مسلّم كتابَه الجديد “الصحافةُ… دعوةٌ لبنانية” في 256 صفحة قطعاً كبيراً عن منشورات الجامعة اللبنانية، وهو السادس في سلسلة “الدراسات الإِعلامية”.

إِنه، إِذاً، عملٌ أَكاديميٌّ تربويٌّ منهجيٌّ، يَدخل في بـيـبـلـيـوغـرافـيـا المراجع الدراسية جامعياً وبحثياً وفي أَيِّ سياق مماثل.

          في أَربعة فصولٍ وعشْرة ملاحق، عالج المؤَلّف موضوعَه بأَرقامٍ ووقائعَ ومعلوماتٍ تاريخية، بدءاً من مبادئَ عامةٍ في حرية الصحافة وفي النُّظُم السياسية وعلاقة الصحافة بالسلطة، عبوراً إِلى اللبنانيين روّاد الصحافة العربية، وتالياً دور الصحافة اللبنانية الرئيس في النهضة العربية. وليست مصادفةً أَنّ أَوّل جريدة بالعربية ظهرَت هي التي أَصدرها ناﭘــوليون بوناﭘـارت في القاهرة سنة 1800 وكان يحرِّرُها مترجمان لبنانيان، وأَن تكون “حديقةُ الأَخبار” أَولَ جريدة لبنانية أَصدرَها خليل الخوري سنة1858، وأَخذت الصحافة تنحو مع اللبنانيين من مهنةٍ إِلى دعوةٍ أَشبهَ بالرسالة.

          انطلاقاً من هذا الـمُعطى عالج المؤَلّف المفارقَ الأَساسية في حياة الصحافة اللبنانية، ومراحلَها الثماني منذ مطلع القرن العشرين، بدءاً من 1908 ووصولاً إِلى 2005 واندلاع ثورة الأَرز، وفي جميعها مثلَّثُ: الحرية وحُب المعرفة وروح المغامرة.

          ومن العناوين في مفارق الصحافة: دخولُ الإِعلان التجاري مع الأَربعينات، الرقابةُ الذاتية سنة 1959 (مع وزير الإِعلام شارل حلو)، تأْسيسُ الوكالة الوطنية للإِعلام سنة 1961 (مع الرئيس فؤاد شهاب)، دُرْجَةُ استقبال رئيس الجمهورية نقابة الصحافة منذ 1962، قيامُ الشركات الصحافية في أَواخر الخمسينات (مع “النهار” و”الجريدة” و”الحياة” و”الأَنوار”)، تأْسيسُ معهد الصحافة سنة 1969 في الجامعة اللبنانية وتَحَوُّلُه لاحقاً إِلى كلّية الإِعلام والتوثيق وتخريجُهُ كوكبةً ممن باتوا اليوم صدارةَ الإِعلام والصحافة في لبنان وبعضهم توسَّع إِلى العالم العربي.

          في الفصل الأَخير من الكتاب عالج المؤَلِّف مواثيقَ الشرف الصحافية مُرَكِّزاً على التجربة اللبنانية، بدءاً من عواملَ أَمْلَت مواثيق الشرف في القرن العشرين، وصولاً إِلى التنظيم المهني، وتعاظُمِ شأْن الصحافة اللبنانية في النصف الآخر من القرن العشرين، واعتناقِ الصحافيين اللبنانيين مبدأَ الحرية لا يتنازلون عنه ولو أَدّى بهم ذلك إِلى أَقسى النتائج، وكونِ لبنانَ سبّاقاً جميعَ دول الجوار في وضع أَوّل ميثاق شرف صحافي (4 تشرين الأَول 1958) تبعَهُ ميثاقٌ ثانٍ سنة 1965 فثالثٌ سنة 1974 مع النقيب رياض طه، وصدور أَوّل شُرعة لبنانية للأَخلاق المهنية وأَوّل ميثاق للتضامن المهني والنقابي سنة 1975.

          وفي عشْرةِ ملاحقِ الكتاب أَدرجَ المؤَلّف عدَداً من المواثيق والمراجع والمستندات والوثائق غذَّت الكتاب بأَرقامٍ وتواريخَ تَجعلُهُ كتاباً أَكاديمياً موثوقاً.

          الدكتور أَنيس مسلّم في هذا الكتاب “الصحافةُ… دعوةٌ لبنانية“، كما في سائر ما أَصدر من كُـتُبٍ عن الصحافة والإِعلام والرأْي العام، أَثبَتَ أَنه بين قلائلِ خُبرائنا في هذا الميدان، وإِذ يَكتُب فيه يُـؤَرّخ ويوثّق ويُـحلِّل فيَغدو كتابُه مرجعاً لكلِّ بحثٍ لاحق.

وهذه علامةُ العمل الأَكاديميّ المنهجيّ المسؤول.