“أَكتُبُ هذه الخاتمةَ فيما ترتفع الأَصوات محذِّرةً من انزلاق لبنان إِلى الهاوية، أَو الدخولِ في مغامراتٍ غير محسوبةِ النتائج. بعض أَصحاب هذه الأَصوات يستدركون لِمَا فيه خيرُ البلد، فيما البعضُ الآخَر يُجَـيَّش لـمتغيِّراتٍ ومخططاتٍ تَخدُم مآربه (…). فاللامركزيةُ هي لامركزيةُ السلطة الواحدة، تَماشياً مع الولاءات للطائفة والزعيم، والمرجعيةُ متآلفةٌ خارج الوحدة (…). إِنه بلدُ التناقضات والتسويات: تتعايش فيه أَنماطُ الدولة على شعارات الديمقراطية فيما النظام الانتخابي يعود إِلى 52 سنة من موروثات الإِقطاع السياسي…”.
بهذه الكلمات الموجعَة يَختم الدكتور حاتم علامي كتابه “لبنان إِلى أَين؟ مساراتٌ لِـمنظومة تنموية“، صادراً سنة 2013 في 326 صفحةً قطْعاً وسطاً عن منشورات “الجامعة الحديثة للإِدارة والعلوم” وهو رئيس مجلس أُمنائها.
الكتاب بحثٌ معمَّق في كُنْه التنمية وعلاج تقصيرها، كما أَلْـمَح كاتبُ المقدمة الرئيس سليم الحص أَن “لبنان يتمتّع بالحرية لكنّ الديمقراطيةَ فيه محدودة، والطائفيةَ مستفحِلة، والفسادَ مُسْتَشْـرٍ، وهو عرضة للمتغيّرات والـمشكلات الخارجية”.
مام هذا الواع أمامأَمام هذا الواقع المضطرب تَجنَّد المؤلف
لوضْع قراءَةٍ من منظار التنمية في تطوراتِ قرنٍ كاملٍ، مَدخلاً إِلى تفكيك مأْزق لبنان إِزاء مشكلات يجب التفكير في حلِّها، بالإِفادة من منجَزات تحققَت في مراحلَ من لبنان أَبرزها العهدُ الشهابي وخصوصاً تقريرُ بعثة إِرْفِد في ذاك العهد. لكنّ تلك المنجزات الناجحة لم تتواصل لأَن البناء الوطني اللبناني لم يصمد أَمام تجاذبات إِقليمية متعاقبة ضربَت أَركان الوطن.
بهذا التحليل الدقيق الواعي نسَجَ حاتم علامي كتابه في قسمَين من عشرة فصول. عالج فيها مفهومَ التنمية وتطوُّرَهُ تَسلسلاً زمنياً مع نماذجَ من السياسات التنموية الناجحة في العالم. وعرّجَ على مأْزق التنمية في لبنان ومشكلات بناء الدولة، وكيف مرحلةُ ما قبل الاستقلال هيَّأَت كثيراً من الاختلالات حتى جاءَ الاستقلالُ فحاولَ الميثاقُ الوطني وضْعَ صيغةٍ للتوازنات، لكنّ الدولة تدخَّلَت في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ما استدعى من الـمؤَلّف تخصيصَ فصلٍ لتقييم سياسات الدولة في اختلال بنية الاقتصاد اللبناني، وعرقلات أَعاقته تسبَّبَ بها الإِقطاعُ السياسي والبورجوازيةُ والدورُ السلبيُّ للنظام الطائفي وتراكمُ التناقضات ونموُّ الحركات الشعبية. وتَواصَلَ الخلل حتى الحرب في لبنان وانطفائِها بتسوية الطائف، وآثار الحرب لاحقاً على الصعُد السياحية والاقتصادية والاجتماعية. وجاء اغتيالُ الرئيس الشهيد رفيق الحريري ليقطعَ شريان النموّ الاقتصادي، حتى إِذا واجهَت الصيغةُ الميثاقيةُ اختباراً جديداً، تعثَّرَت في غير موضعٍ مع حكومات سعد الحريري ونجيب ميقاتي. وختَم المؤلِّف بدراسةِ مسارات المنظومة التنموية بين تَطوُّر الواقع الديمغرافي والمحاور السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
كتاب حاتم علامي “لبنان إلى أَين؟ مساراتٌ لِـمنظومةٍ تنموية” مرجِع رصينٌ غيرُ منحازٍ، دَلَّ على الـمَثالب والتشويهات كما على الـمطالب والانجازات، ليَخْلُصَ إِلى أَنّ “الدولة الديمقراطية يحقِّقها مواطنون ديمقراطيون متمرِّسون بالديمقراطية، ضالعين فيها، يحقِّقون التوافقَ الوطني من دون المغامرة بمصير الوطن، فيكونُ القرار مسؤُوليةَ الجميع ونتاجَ اتفاقهم“.
ويرى المؤَلّف أَنّ مأْزق التفَكُّك يَتَجَاوَزُهُ لبنان بأَفكار الشباب، وإِطلاق طموحاتهم، ومشاركة مؤَسّساتٍ عصرية، وهيئاتٍ عقلانيةٍ متوازنةٍ في المجتمع المدني تَتَغَلَّبُ على مأْساةِ التفرقة التي تعصُف قاسيةً في كيان الوطن.
——————————————————