حادثة إِطلاق النار في ﭘـرلُـمان أُتَوَى الفدرالي، قبل أَيام، تتّخذُ أَكثرَ من بُعدٍ، عدا بُعدها الأَول بأَنّ الجاني “ذئبٌ منفرد” إِرهابيّ جاء ينتقم من السلطة الكندية لأَنها احتجَزَت جواز سفره بعد إِعلانه نيَّتَه السفَر للقتال مع الجهاديين، وكانت أُمه أَنكرتْه وأَنكرَه أَبوه لتعاطيه المخدِّرات وارتكابِه جرائمَ جنائيةً قبل عشر سنوات. الحادثةُ أَسفرَت عن قتله حارساً عند نصُب ضحايا الحرب قبل أَن يُرديه أَحد رجال الأَمن برصاصةٍ فورية. أَشاعت الحادثةُ في كندا حالةَ رُعبٍ أَثاره جوّ إِرهاب سارع رئيس الحكومة الكندية إلى التصريح عن حزم الدولة في مكافحته وتأْمين سلامة الوطن والمواطنين.
للحادثة، قلتُ، أَكثرُ من بُعد، لعلّ في الطليعة انفتاحَ قاعات الـﭙـرلُـمان للزوّار والسياح، حتى في أَثناء انعقاد الجلسات التشريعية النيابية. والحرّاس على مداخل الـﭙـرلُـمان لا يعترضون الزوار، ولا يفتّشون السيّاح، ولا يَقْلَقُون من دخول الناس إِلى المبنى كــمَعْلَمٍ سياحيٍّ يقصدونه من أَطراف كندا وأَطراف العالم.
الشاهد من هذا الكلام: مقارنةٌ بسيطةٌ بين الـﭙـرلُـمان الكندي والـﭙـرلُـمان اللبناني عندنا في ساحة النجمة. هناك زوّار وسيّاح يتجوَّلون في قاعات الـﭙـرلُـمان المفتوح للعامة من الناس، مثلما لنوّاب الأُمة الذين يأْتون دورياً إِليه ويغوصون في مناقشات القوانين جلساتٍ متتاليةً ولجاناً ومقرراتٍ بهَدف تَقَدُّم البلاد وأَهلها وسكّانها ومستقبلها، ذلك أَن الـﭙـرلُـمان مقرُّ “صانعي القوانين”، على نتائج جلساتهم وتشريعاتهم تقومُ البلاد وتتقدّم وتتطوّر وتُسابق الزمن كي لا يسْبقها الزمن، وهنا في ساحة النجمة ﭘـرلُـمانٌ مقفَلٌ في وجوه الزوّار والسياح، ومقفلٌ في وجوه جلسات تشريعية لا تنعقد لأَن نواباً يقاطعون، وإِذا انعقَدَت لا يكتمل نصابُها. وها لبنان تسعَ سنوات (منذ 2005) بلا موازنة عامة، فيما تسجّل الأَرقام بين سنة الاستقلال 1943 وسنة 2005 إِقرار 59 موازنة عامة، وتشير الأَرقام كذلك إِلى أَن مجلس النواب هذا العام (2014) أَقَــرَّ 48 قانوناً في 6 أَيام، بينما العام الماضي (2013) لم يُقِـرَّ سوى قانونَين اثنَين فقط: الأَول رقم 245 تاريخ 12/4/2013 لتعليق الـمهَل في قانون الانتخابات حتى 19 أَيار 2013، والآخَر رقم 246 تاريخ 31 أيار 2013 لـتمديد ولاية المجلس حتى 20 تشرين الثاني 2014.
هناك في أُتَوَى ﭘـرلُـمان نابض بالحركة زواراً وسياحاً، وطبعاً نواباً يجتمعون للقيام بالـمَهامّ التي انتخبَهم الشعب كي يقوموا بها، وهنا في ساحة النجمة ﭘـرلُـمان مقفلٌ معطَّل، بإِقرار رئيسه أَكثر من مرة، وإِذا أَعلن عن فتحه، تسارعَت وسائلُ الإِعلام إِلى نقْل قرار قوى الأَمن الداخلي بتنبيه المواطنين إِلى تَجنُّب الاقتراب من محيط ساحة النجمة، ودُقّ النفير منذ فجر نهار الاجتماع، وانسَدّت المنافذ، وانقطعَت الطرقات المؤَدية، وتعطَّلَت الحياة في الدائرة الموسّعة لساحة النجمة، وأُقفلَت المحالّ والمصارف والمؤَسسات والمطاعم والمقاهي، وانضربَت الأَسواق التجارية، وتجمَّدت الاستثمارات، وحُرِّمَ حتى الحمام أَن يطيرَ فوق الساحة، وخضَع الصحافيون والإِعلاميون للتفتيش الدقيق لعلّ وعسى. وحين يتفرّق النوابُ لأَنّ النصاب لم يكتمِل، تفرغ الساحة من جديد، ويكون نهارُها انقضى، وخسرَت الحياة التجارية والمصرفية ساعاتِ عملٍ كانت مجْديةً لولا جلسةٌ نيابية حَـمَـتْها العنايةٌ الإِلهية من كلّ مكروهٍ كي تقوم بدورها لا في التشريع والتحديد بل للتمديد والتجديد بعونه تعالى وهـمَّة نواب الأُمّة الذين، يا حَـماهم الله، يَـجْهدون يومياً في انتخابِ رئيسٍ للجمهورية، لكن الحظّ لا يُسعفُهم. وما ذنْبُ النائب إِذا لم يَـخدُمه الحظّ لانتخاب رئيس؟
——————————————