اليوم السبت افتتاحُ معرض الكتاب الفرنسي في بيروت، الجوهرةِ التي لا تزال لؤْلؤَة الكتاب، فرنسيِّه وعربيِّه وفي كلّ لغة.
العام الماضي كان شعارُه “كلمات الآخرين”. هذا العام: “كلماتٌ وحَكايا”، تَـلَمُّساً أَكثر مجدَ الكلمة الأُمّ لأَيّ لغة.
بــ”الكلمات” ينفتحُ التاريخ وتتفتّحُ الذاكرة، وبـــ”الحَكايا” تَعْذُبُ الكتُب والصحُف وقصصُ الأَولاد.
وبين الكلمات والحَكايا تتلأَلأُ بيروت سنوياً بهذا الحدَث يَتَوهَّجُ كتُباً وتواقيعَ مؤَلفين وجوائزَ وندَواتٍ ولقاءاتٍ تسطعُ نجومُها بـمؤَلّفين فرنسيين أَو فرنكوفونيين، بينهم عائدون من جائزة عالمية ساطعة.
عاماً بعد عام يستقطب هذا المعرض الراقي أَعلامَ أَدبٍ وثقافة قلَّما يأْتون إِلى الشرق الأَوسط لكنهم يأْتون إِلى بيروت، ويُحبُّون بيروت، ويكتُبون عن بيروت ليرسُموا في بلدانهم ولقرّائهم لبنانَ كما هو لبنانُ الإِبداع لا كما يَــبدو من الصحف والشاشات.
وعاماً بعد عام يطالع روادَ المعرض جديدٌ في الأَدب والفكْر والثقافة العامة، رواياتٍ وسِيَراً وأَبحاثاً ينتظرونها بشغفِ المطالعة التي هي العلامة: علامةُ الشعب الراقي الذي يعتنقُ الكتاب لا السلاح، ويصرف وقته الآخَر في الــتــثــقُّف لا في الاصطفاف.
هذا المعرض السنويُّ في بيروت عيدٌ حقيقيٌّ للثقافة، وهي في بيروت ولبنان مناخٌ صحيٌّ سليمٌ أَتمنى أَلاَّ يختنقَ بما يدور في فَــلَك الوطن من أَوبئةٍ سياسية تُفسدُ زهر الحقول الطالعة في أَرض المعرفة. ففي كتاب الشعر دنيا من جَمال، وفي الرواية عالَـم يرسمه مؤلفٌ فينتسبُ إِليه قارئُه، وفي كتُب الأَطفال جاذِبٌ يَرقى بهم إِلى آفاق تُبهِجُهم وتَصقُل شخصيَّتهم نحو غدٍ معافى.
“كلمات وحَكايا” في بيروت: هنا في توقيع مؤَلفٍ على كتابه الجديد، هناك في راوٍ يَسردُ لسامعيه ما يأْسر انتباههم وخيالهم، هنالك تكريمُ علَمٍ أَدبي جَـلّى في لغة بودلير، فَجَلَت نجاحَه بيروت التي تتجلّى فيها الفرنكوفونيا رسالةً تتجدَّدُ بقِيَم إِنسانية عليا، تحملها اللغةُ الفرنسية في آثارها وأَعلامها وأَعمالهم، وفي كل نتاجٍ يضيف إِلى الحضارة الحديثة ركناً جديداً لأُفق جديد. وتُباهي بيروت بكبارٍ من لبنان اعتنقوا لغة بودلير وأَبدعوا فيها وكتَبوا “كلماتٍ وحَكايا” تبنَّـتْها فرنسا على أَنها منها، فالأَدبُ اللبناني في الفرنسية لم يعُد لُغةً ثانيةً في وطنٍ رَسْـمِـيَّـــتُـــهُ العربية، بل هو في قلْب القلْب من لغة فرنسا والفرنكوفونيا في العالم.
“كلماتٌ وحَكايا” في بيروت، عرسٌ جديد للُبنان، تَتَعالى زغرداتُه الأَدبية من دَفــَّـــتَي كتابٍ يقول إِن عاصمتَـنا الغالية تَخرُج دائماً من كثافة غيمِها الأَسوَد إِلى رهافة صوتها النقيّ الموشّى أَبداً بأَصالة حضارتها.