لم يَشفَع لها أَنها، بفضل براعتها، كانت أَخيراً مرشـَّحَـةً لتكونَ أَولَ امرأَةٍ تَــتَرأَّسُ الحكومة المقبلة.
ولم يَشفَع لها أَنها ازدادَتْ شعبيةً وحماسَةَ ناخبين لِـمَا تتمتَّع به من حضورٍ ناجحٍ، وجاذبيةٍ في الشكل والأَداء.
ولم يَشفَع لها أَنها تولَّتْ وزارةً كُبرى تعمل على إِعادة تَشغيل الـمُفاعِلات النوَوِيَّة في فوكوشيما بعد زلزال 11 آذار 2011.
ولا شَفَعَ لها أَنها ابنةُ رئيسِ حكومةٍ سابق، وأَنها أَوّلُ امرأَةٍ في اليابان تتولّى وزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد.
جميعُ هذه العناصر الإِيجابية لم تَعصُمْها ثانيةً واحدةً عن التقَدُّم بكتاب استقالتِها إِلى رئيس الحكومة شِنْزو أَبي، وبالوقوف أَمام عشرات الكاميرات مُعترِفةً بخطإِها: “طالَما أَخضَعُ للتحقيق القضائي لا يحقُّ لي الاستمرارُ في مزاولة مَهامّي الحكومية”، وانحنَت أَمام الحضور على الطريقة اليابانية وانسحَبَت.
إِنها الوزيرة يوكو أُوبوشي الـمُتَّهَمة بسوءِ التصرُّف في المال العام وإِنْـفاقِه على شُؤُونها الخاصَّة، إِذ كَشَفَ ديوانُ المحاسبة أَنها، بين 2007 و2012، أَنفَقَت نحو 70 أَلف يورو على شِراء أَغراضٍ شخصيةٍ لها، بينها مستحضراتُ زينةٍ وتجميلٍ لدى محلّ صهرها (زوج أُختها) من أَموالٍ في مُـخَصَّصاتها مرصودةٍ لإِنفاقها على الشأْن السياسي العام فقط.
وتَصْدُف أَنْ بعد ثلاثِ ساعاتٍ من اليوم ذاتِه (الإِثنين الماضي) وزيرةٌ أُخرى (الثانية بين خمس سيّدات في الحكومة) تقدَّمَتْ باستقالتِها لاكتشاف ديوان المحاسبة أَنّ وزيرةَ العدل مِيدُوري ماتْسُوشيما أَنفَقَت من المال العام مبالغَ خاصةً اشترت بها مراوحَ وَرَقـيّةً عليها اسمُها وصورتُها ووزّعَـتْها على مناصريها في دائرتها المحلية إِبّان حمْلتها الانتخابية الأَخيرة، وهذا معتَـبَرٌ خارجَ الاصطلاح الانتخابي المسموح به في هذه الحالات فقط.
حدَثَ هذا في دولةِ اليابان. ويَحدُثُ مثلُه دائماً في دولة اليابان حيث المحاسبةُ تطال المواطنَ العاديّ مثلما تطالُ “سعادة النائب” و”معالي الوزير” و”دولة الرئيس”. فليس في اليابان نائبٌ يستغلُّ حصانتَهُ في تصرُّفاتٍ مُشينةٍ أَو يمتنع عن النزول إِلى مجلس النواب أَو يعطل جلسةً نيابية، وليس في اليابان وزيرٌ يرتكبُ معاصي مع المواطنين أَو أَعمالاً ضدّ مصلحة الوطن أَو مخالفاتٍ مُعيبةً محتمياً بكتلته السياسية أَو بـمقعدِه الحكومي، وليس في اليابان زعيمٌ أَو سياسيٌّ، مهما علا شأْنُه، يقوم بما يؤْذي الشأْنَ العام أَو يُعطّل الحياة السياسية أَو يُهَدِّد الوضْع العام أَو يُعرِّض أَمْن البلاد أَو مصيرَها أَو يتصرّف بمعزل عن سياسة الدولة العليا.
وزيرتان استقَالتَا في يومٍ واحدٍ من حكومةٍ واحدةٍ في دولةٍ واحدة، لأَنّ الـمُساءَلَةَ هناك أَكبرُ من الحقيبة الوزارية.
حدَثَ هذا سنة 2014 في دولة اليابان.
فهل يَـحدُث هذا سنة 3014 في دولة لبنان؟
_______________________________________