عن القصة الخُرافية للصغار “ذو اللحية الزَّرقاء” للكاتب الفرنسي شارل ﭘــيــرُّو (1628-1703) أَنّ بطلَها كان من البشاعة، بسبب لحيته الزرقاء، ما أَبعدَ عنه النساءَ للزواج، حتى رضيَتْ به حسناءُ متواضعةُ الحال بَهَرَها مالُهُ وقصرُه وأَثاثُه الفاخر وأَوانيه الفضية والذهبية وحدائقُه الجميلة، فأَقدَمَت على ما ظنَّــتْهُ زواجاً سعيداً.
وظلّ الأَمرُ كذلك حتى فاجأَها يوماً بقوله: “أَنا على سَـفَر. وهذا المكانُ كلُّه لكِ، تتصرَّفين فيه كما تشائين. خُدّامي رهْنُ أَوامرِكِ ، وهي ذي مفاتيحُ قصري جميعُها: غُرَفُه، حدائقُه، مخازنُه، أَقبيتُه، وكلُّ ما ترغبين أَن تَرَيه في هذا القصر الكبير. سوى أَنّ بينها هذا المفتاحَ الصغيرَ لغرفةٍ في آخر الحديقة، إِياكِ أَن تستخدِميه وإِلاّ أَثَـــرْتِ غَضبي القاسي”.
انطلق “ذو اللحية الزَّرقاء” على حصانِه فأَسرعَتْ عروسُه الشابّة إِلى ذاك المفتاح الصغير، وتسلَّلَت إِلى تلك الغرفة في آخِر الحديقة. وقفَتْ مضطربةً أَمام الباب ثم فتحَتْهُ لِــتُفاجَأَ بأَجساد نساءٍ صرعى فهِمَتْ أَنّهُنّ قريناتُه: كان يتزوجُهُنّ ثم يقتلُهُنّ ويرميهِنّ في الغرفة. وباضطرابها سَقطَ المفتاحُ فتبلَّل بدماءٍ على الأَرض. هرعت مرعوبةً إِلى القصر تغسلُهُ من بُقَع الدم، إِنما بدون جدوى لأَنّ المفتاح كان مسحوراً.
بعد أَشهرٍ عادَ “ذو اللحية الزَّرقاء” وطلَبَ المفاتيح فاضطربَت زوجتُه وهي تُسديها إِليه. رأَى المفتاح الصغير ملطخاً بالدّم. سأَلها فتلعْثَمَت. بادرَها: “خالفْتِ أَوامري. سأَقتلكِ فوراً”. استمهلتْهُ عشْر دقائق قبل قتْلِها فوافقَ فَهَرَعَت إِلى أُختها كي تصعدَ إِلى أَعلى بُرج القصر وترى إِذا أَطلّ شقيقاها المفترَض وصولُهُما نهارئذٍ.
كانت كلّ بضع لحظاتٍ تناديها:
– أُختاه، يا أُختاه، حدِّقي إِلى الجوار. هل أَحدٌ في الأُفق يَشفي الانتظار؟
فتجيبُها أُختها:
– ما سوى الشمسِ ذاتِ الغبار والعشبِ في مطلع الاخضرار.
تكرَّر سؤالُها، تكرّر الجوابُ ذاتُه، وتكرَّر نداءُ “ذي اللحية الزَّرقاء” المزمجر ليذبحها بالسكين المرتجف في يده غضباً.
لم تَفقِد الأَمل رغم نداءاتها المستغيثة ورغم جواب أُختها ذاته، حتى إِذا هَـمَّ “ذو اللحية الزَّرقاء” بالصعود إِلى الطبقة العليا ليَذبحَ زوجته الشابّة، وصل شقيقاها في اللحظة الأَخيرة وانقضَّا عليه وأَنقذاها.
هذه الحكايةُ ليست للصغار بل لكبارٍ فاتَهُم أَنّ زمنَ التخيُّلات فات، وأَنّ الـمُنقِذَ الـمُـنـتَـظَر وصولُهُ إِلى واقعِنا المخيف لن يأْتي من طُرُقاتٍ وهمية ولا من خيالات.
نَستنجد بالطريق نَحو “الإِخْــوة” شرقاً وغرباً وما من مُستَجيب.
فهل انتظارُ الأَمل، ولو في اللحظة الأَخيرة، يُــبْــعِــدُ السكّين عن شعبٍ كاملٍ يُهدِّده “ذو اللحية الزَّرقاء”، والوطنُ يَـنـتـظـر “إِخوته” لإِنقاذِه؟