في كتاب “الإِسلام مشروحاً للأَولاد وأَهاليهم” (2012) إِثْـر فاجعة 11 أَيلول 2011، وبعد لغْطٍ أَعمى لَحِقَ بالإِسلام دِيناً ومسْلِمين، تَـمَكَّن الطاهر بن جلُّون، بِـمَهارَتَيْه روائياً وتربوياً، من تقديم الإِسلام إِلى الأَولاد في لغةٍ مبسَّطَة عارضاً “قصةَ رجُلٍ استثنائي أَصبح نبياً، وتاريخَ دينٍ وحضارةٍ أَضاف إِلى الإِنسانية الكثير” مُلْغياً هرطقة الجمْع بين الإِسلام والإِرهاب، ومستَبِقاً لغْطاً طال الإِسلام في العقد التالي منذ الحرب في أَفغانستان إِلى تجاوزات “الربيع العربي”. وبَــيَّـن الكتابُ للأَولاد وأَهاليهم أَن قراءةً معمَّقَةً للقرآن الكريم تُلغي ظُـلُماتٍ جائرة تطال جوهر الممارسة الدينية.
كتاب بن جلون يكمل برسالته ونهجه كتابه السابق “العنصرية مشروحةً لابنتي”(1997) أَوضح فيه لابنته مريم (10 سنوات) أَنّ “الإِنسان لا يولد عنصرياً بل يُصبح هكذا وفق بيـئـتـه”. لذا خاطب فيه “مَن لم يُــكَــوِّنــوا بعدُ أَحكاماً مسْبَقة، كي يكبروا على رؤْية صحيحة للمجتمع السليم”.
من بن جلون الـمُسْلم المتنوِّر إِلى مسيحيّ متنوِّر: الكاردينال أَنجيلو سْكولا مُنشئ مؤَسسة “أُوَازيس” (الواحة) لــ”تَبَادُل المعرفة وتوطيد اللقاء بين العالم الغربي والعالم ذي الأَغلبية الـمُسْلمة” انطلاقاً من “الحوار بين الأَديان عبر الحوار بين الثقافات”. وفي عدد هذا الشهر من نشرة “الواحة” (3 أَيلول 2014) حوارٌ حول الإِسلام والعنف والجهاد، جاء فيه أَنّ “المسيحيين عاملُ تعدُّديةٍ في الشرق الأَدنى، إِذا زالوا منه زال فيه الغنى الإِنسانـيّ”.
من هذه الوقائع ونصوصها نتبيّن حرص الـمُتنوِّرين في كلتا الديانتَين السماويتَين على اللقاء في إِقليمٍ إِنسانـيّ مشتَرَك تعيش فيه (لا “تتعايش”) مجموعاتٌ تَسْلُك إِلى رب العالمين اتجاهَين متوازيَين (لا متناقضَين) في حياةٍ واحدة، فمحراب المسجد ومذبح الكنيسة واحةٌ واحدةٌ بلوغاً إِلى غاية واحدة: عبادة الله الواحد الرحمن الرحيم.
وهذا ما ذكَره مفتي الجمهورية الجديد الشيخ عبداللطيف دريان في خطبة تنصيبه هذا الأُسبوع: “أُعلن من هنا، من جامع محمد الأَمين… التمسُّكَ بالعيش المشترَك الإِسلامي المسيحي، والالتزامَ بنهج السّلْم والسلامة والإِسلام الكفيل بحماية الإِنسان والأَديان والأَوطان”.
هكذا يلتقي المسيحي على الآية 82 من سورة المائدة: “وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا: الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى، ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ”، ويلتقي الـمُسْلم على الآية 34 من الفصل 13 في إِنجيل يوحنا نقْلاً عن السيد المسيح: “أَحِــبُّــوا بعضَكُم بعضاً كما أَنا أَحبَــبْــتُــكُم”.
بلى: لن يُنقِذَ لبنان والشرق من جَهالة الظَّلاميين إِلاّ انتقالُ “نُؤْمن بإِلهٍ واحدٍ ضابطٍ الكل” و”لا إِله إِلا الله” من ضمير القناعة إِلى ممارسة الضمير.
_______________________________________