كانت تزور ابنَ بَلَدِها قداسةَ فرنسيس الأَول حين أَعلنَتْ من مطار روما أَنها تلقَّت تهديداتٍ داعشيةً عقاباً لها على علاقتها مع البابا الذي كان، الشهر الماضي، أَعلن رفضَه مبدأَ قتْل الناس باسم الله، وشَرْعَنَ استخدامَ المجتمعِ الدولِـيِّ القوَّةَ لِـحَدِّ مقاتلي “الدولة الإِسلامية” من تشريد سكّان سوريا والعراق وقتْلِهم فردياً وجماعياً في سَحْلٍ هَـمَجيٍّ رهيب.
صحيحٌ أَن رئيسة الأَرجنتين كريستينا فرنانديز ختمَت تصريحَها رافضةً تلك التهديدات وأَنها لو حصلَت فعلاً ستَخـتـبـئُ تحت السرير، لكنّ قولتَها هذه تأْتي في سياقٍ ربّما يُـخفي ما تتهيَّأُ له وزارة الأَمن الأَرجنتينية وأَجهزة المخابرات هناك من مواجهةٍ تـتـناسَب وَجِدِّيَّة هذه التهديدات.
“تـتـناسَب وجِــدِّيَّــتَــها ” قلت.
وهذه الظاهرةُ التسوناميةُ الزاحفةُ فاغِرَةَ الشَّدقَين بأَنيابٍ دينوصورية، لا يمكن التعامل معها إِلاّ بالمواجهة.
هكذا نحن في لبنان، والــ”تداعُش” طالَنا كما طال جوارَنا ومحيطَنا، وبدأَ يقصف من جيشنا غصوناً طريئةً بريئة.
الهرب والاختباء تحت السرير؟ أَم المواجهة فوق رؤُوس الإِرهابيـين؟
لا خيار سوى المواجهة. ولا أَيّما مواجهة، بل بالإِبقاء على مبادئنا وثوابتنا، والبقاء في أَرضنا، على أَرضنا، نَحرُسُ أَرضنا.
إِنّ الوضع اليوم في لبنان حسّاسٌ ودقيق. صحيحٌ أَنّ اتخاذ القرار بالمواجهة يُمكن أَن يُرتّب ارتداداتٍ مذهبيةً تُحرّكها أَجهزة مشبوهةٌ تخريـبـيـةٌ تتربَّص بهناءة البلد وهَــيْــبَــتِــه وَوحْدَته، لكنّ ترك الأُمور تجري متدافعةً متلاحقةً متـتابعةً في تَدَفُّق وتَدافُعٍ وتَدَحرُجٍ فاجعٍ وفقاً لأَجندة الظُّلامة والظَّلاميين، يأْخذُ البلد حتماً إِلى مجهول فاجعٍ أَكثر.
لذا يجب امتشاقُ القرار سريعاً، اليومَ قبل الغد: لا وقتَ للتفكير أَكثر، لا وقتَ للتباحُث أَكثر، لا وقتَ للاجتماعات أَكثر، لا وقتَ للتأَمُّل والتمحيص أَكثر، لا وقتَ والداعشيون لا ينتظرون ويَشهَرون السكاكين أَمام وجوه جُنودنا، لا متّسعَ تحت الأَسِرَّة لشعبٍ بأَكمله كي يختبئَ خوفاً واحتماءً واتِّــقاءً. لا وقتَ إِلاّ لاتخاذ القرار بالتوعية المناسبة، بالتدابير الحكيمة، بالإِجراءات الصارمة، لوقْف زحف الغيلان على حدودنا وداخلَ حدودنا وفي دواخل شعبنا أَهالي وسكاناً وضيوفاً ونازحين ولاجئين.
عند اندلاع الحريق في البيت لا وقتَ للتفكير بحساباتِ إِن كنا نعيد اللون نفسه لصالون البيت أَم نغيّر اللون.
عند اندلاع الحريق نَهْرَع إلى إِطفاء الحريق وإِنقاذ البيت.
والحريقُ اليوم ليس في بيتٍ من بضع غرف.
الحريقُ في وطنٍ كاملٍ يُهدِّدُهُ وحشٌ بآلاف القوائم المتوثّبة، وآلاف الأَشداق المفتوحة، وآلاف الأَنياب الـمسنونة.
الحكمةَ الحكمةَ الحكمةَ في اتّخاذ القرار.
ومع الحكمة: شجاعةُ الإِقدام بلا تَـهَوُّر، شجاعةُ المساعي بلا ضعْف، شجاعةُ التصَدّي بلا ارتجال.
ولم ينهضْ وطنٌ من أَخطاره المصيرية الخطيرة، إِلا بالقَبْضتَين معاً: الحكمة والشجاعة.