فيما عَــيَّــنَت منظمة الصحة العالمية 31 أَيار “اليوم العالمي للامتناع عن التدخين”،
وفيما رصدَت وفاة نحو 6 ملايين شخص سنوياً بسبب التدخين، نصف مليون بينهم غيرُ مدخنين لكنهم التقطوا الموت من تَنَشُّقِهم دُخانَ المدخّنين حولهم،
وفيما يتهيأُ العالم لاحتفالات العام 2020، وتتوقّع المنظمة بلوغَ الوَفَيَات عامئذٍ 10 ملايين شخص سنوياً،
وفيما أَظهرت الدراسات والإِحصاءات أَنّ 80% من نسبة الوَفَيَات هي في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وأَنَّ رفْع الضرائب في هذه البلدان يَحُدُّ لدى الفئات المتدنية الدخل من معاقرة التبغ، ويُبعِد الشباب الجدُد عن الشروع في التدخين،
وفيما دلّت آخر التقارير على أَن التدخين سببُ الوفاة الوحيد الممكن تجنُّبُه أَكثر من سواه،
وفيما أَصدرت الدولة اللبنانية القانون 174 القاضي بمنع التدخين في الدوائر الرسمية والمطاعم المقْفَلَة وسيارات التاكسي، وبدأَ التنفيذ حازماً ثم تراخى أَمام غطرسة المحسوبيات والزبائنيات وتشبيحات أَزلامٍ يستقوون بمسؤولين يُفترَض أَن يتشدَّدوا في المنع،
وفيما منعَت الدولة الترويج للتدخين في جميع أَنواع الإِعلانات الصحافية والتلفزيونية واللوحاتية على الطرقات،
فيما كلُّ ذلك يجري عندنا وفي العالم، طلَعَ علينا أَحد المطاعم بإِعلانٍ وزّعه على وسائل التواصل الاجتماعي يدعو إِلى مسابقة فوتوغرافية لأَفضل صورة تَظهر فيها الأَركيلة وراء الأَشخاص، وتبرَّع المطعم بجوائز مغْرية للفائزين.
كأَنما لا يكفينا تَلَوُّثُ الهواء بعوادم السيارات وغبار المدن ودخان مداخن زوق مكايل وشكا وسواهما، وسُحُب الدخان المتفلِّتة من أَبواب المطاعم ونوافذها وشرُفاتها بعدما أَطاحت قانون منع التدخين في الداخل وباتت الأَراكيل تتوزَّع في الداخل والخارج وتتسابق إِليها درّاجات “الديليـﭭـري” حاملةً جمرَها ملوِّحةً به في الهواء.
كأَنما لا يكفينا ما يحيطُ بنا من إِطاحة قوانين وأَنظمة وقرارات، حتى يطالعَنا إِعلانٌ عن أَفضل صورة لمدخّني الأَركيلة.
وفيما التلـﭭـزيونات في العالم تبُثُّ برامج توعية على مضارّ التدخين، تتنافس المحطات عندنا على برامج التسلية والترفيه وتسطيح السهرة والنهار بساعات خاليةٍ من كل تثقيف، خاويةٍ من كل توعية.
ليس المهمُّ إِصدار القوانين والقرارات بل المهمُّ تطبيقها.
وفيما لا يتجاسر أَحد في البلدان المتمدِّنة على التدخين في مكتب أَو دائرة حكومية أَو مطعم أَو فندق أَو مطار أَو حيَّزٍ عام خارج الأَمكنة الضيّقة المحدَّدة للمدخّنين، نُجدُ التدخين عندنا في كل مكان، لا رقيب ولا وازع ولا شرطيّ ولا خشية من عقوبة، فالزبون حرٌ في تصرُّفه، وصاحب المطعم والمقهى والفندق ينتظر ملهوفاً أَيَّ زبونٍ بسبب الوضع الاقتصادي ولا مانع عنده أَن يدخِّن الزبون سيكارةً أَو سيكاراً أَو أَركيلة أَينما شاء ومتى شاء.
ومن اليوم حتى تنجلي عنا المقولةُ الوقِحَة “دَخِّن عليها تَنْجَلِ”، سيظَلُّ التلوُّثُ قدَرَنا ومصيرَنا، وسيظلُّ الكثيرون يَهْزَأُون من أَيِّ تقريرٍ أَو دراسةٍ أَو إِحصاءٍ ينبّهُهُم أَنّ السيكارة أَو الأَركيلة هي أَقصَـرُ الطرُق إِلى… تابوتهم القريب.