– “أَقرأُ جبران منذ سنوات يفاعتي، وغالباً ما أَعود إِلى بعض كتاباته”.
بهذه العبارة بادر رئيسُ وزراء سنغافورة “لي كوان يو” مصرفياً لبنانياً كبيراً كان يزوره قبل سنواتٍ، تَنَبَّه إِلى مؤلّفات جبران في مكتب الرئيس. وأَردف يو:
– أَعرف اعتزازكم بابن وطنكم لبنان.
فجأَةً سأَل الرئيس: “متى استقلّ بلَدُكم”؟ أَجاب المصرفي اللُبناني: “1943” فأَردف يو: “نحن بعدكم بعشرين عاماً”. ثم دار الحديث عن التنوُّع الطائفي في لبنان والعيش الواحد المتصالح بين أَبناء 19 طائفة يضمُّها الوطن الواحد، مقابل 4 إِتنيات متعدّدة الأَلوان والأَعراق واللغات والأَشكال (صينية، ماليزية، هندية، أُوروﭘــية) تعيش في وطنها الواحد سنغافورة.
خرج المصرفيّ اللبناني من الاجتماع تتردَّد في انتباهه عبارةُ رئيس الوزراء: “نحن بعدكُم بعشرين عاماً”.
ما الذي حصل لدى “الذين بعدنا بعشرين عاماً”؟ ناضلَت جزيرة سنغافورة، وانفصلت بدستورها سنة 1959 عن الكومنْولث (اتحاد الشعوب البريطانية)، ثم نالت استقلالها عن المملكة المتحدة سنة 1963، وهي اليوم (بعد نصف قرن) تنافس سويسرا بإِيداعاتها المصرفية، مرفأُها هو الثاني عالَـمياً بعد روتردام، شركةُ طيرانها هي الأُولى في العالم تتالياً في السنوات الأَخيرة، مطارُها أَحدُ أَفضل مطارات الدول، سياحتُها بين الأَفضل في البلدان، وليس فيها مناخٌ مـميّز ولا آثار عريقة ولا تاريخ قديم.
كلُّ هذا، وغيرُه كثيرٌ بعد، نهض به مع رفاقه المخْلصين مناضلٌ عنيد: “لي كوان يو” الذي تسلَّم الحُكْم بحزمٍ صارم بدأَ من شعاره: “قم بواجبكَ تجاه دولتكَ ثم طالب بحقوقكَ”. سُمّي “الدكتاتور” لكنه كان ابن الدستور والنظام طبّقهما بصرامةٍ نادرة لا تفرّق بين مواطنٍ وآخر، فنهض ببلاده من الفقر التاعس، أَلغى الفقر والأُميّة، وباتت دولتُه بين أَغنى الدول بفضل نظام دقيق هو الأَفضل في العالم على الإِطلاق، رغم ضآلة مواردها الطبيعية وتشابُك نسيجها الاجتماعي، تغلَّبَت عليها جميعاً وباتت في طليعة الدول المتطورة في الاقتصاد والسياحة والتربية والصحة والشفافية والأَمن والتنظيم الـمُدُني.
ويوم انتهت ولايته سنة 2004 لم يُـجَدِّد ولم يُـمَدِّد. انسحب إِلى بيته بهدوء سنواته (بلغت اليوم الحادية والتسعين).
السر؟ ولا أَبسط: تطبيق النظام.
بلى: أَنا أَيضاً اخترقَــتْــني عبارةُ رئيس الوزراء للمصرفي اللبناني: “نحن بعدكم بعشرين عاماً”.
ولكن نحن، أَين صرنا اليوم قياساً على دولةٍ استقلَّت بعدنا بعشرين عاماً؟
أَين صرنا؟ لا نزال نترنّح في النظام وفي الدستور، ونبحث عن رئيس يرفع شعبَنا ووطنَنا ودولتَنا من مزرعة المحاسيب والأَزلام إِلى دولة النظام والدستور.
__________________________________
http://claudeabouchacra.wordpress.com/2014/08/28/