نقطة على الحرف- الحلقة 1158
هذا الرسم التقريبي
الأَربعاء 2 تــمُّـوز 2014

 

          في عادة المحاكم، حين الكلامُ على متَّهم أَو محكوم، أَن تنشر عنه رسماً تقريبياً إِن كان مُتَوارياً ولا صورةَ فوتوغرافيةً له.

          وفي العادة، عند مداهمات رجال المباحث أَو الأَمن العام أَو الأَمن الداخلي، أَن يوزِّعوا رسماً تقريبياً للمشتبه به طالبين من المواطنين التبليغَ عنه حين يشتبهون به أَو يلمحونه، والاتصالَ بالدوائر المختصة لملاحقتِه فالقبضِ عليه.

          ولوضع الرسم التقريبي شروطٌ تقتضي احتواءَهُ أَكثرَ الخطوط اقتراباً من ملامح المطلوب، بمطابقة الـمَلامح على المعلومات.

          كلُّ هذا الــأَعلاه للبحث عن فردٍ مطلوب يتضافر عليه مجموعٌ من المعنيين.

          فماذا لو كان المطلوب لا فرداً بل وطناً؟

          هؤلاء الذين يُمطِروننا اليومَ وكلَّ يوم بشعارات عن هَمِّهم الوطني وبأَنَّ شُغلَهم الشاغل مصلحةُ الوطن والحفاظُ عليه أَرضاً وشعباً ومؤسساتٍ وَحِرصاً على رَدِّ الأَخطار عنه وعلى تفعيل مفاصله ودوائره ومؤَسساته العامة ووزاراته وإِداراته، هلاّ وضَعوا رسماً تقريبياً نموذجياً لوطنٍ نموذجيّ كلُّ ما فيه يسير سيراً طبيعياً؟ رسماً تقريبياً لا للمواطنين كي يبادروا إِلى تبليغ المراجع، فالمواطنون ليس من شأْنهم هُم أَن يبحثوا عن هذا الوطن، بل هو شأْن المسؤولين أَن يوجدوا للمواطنين هذا الوطنَ صاحبَ الرسم التقريبي؟

          هؤلاء الذين يملأُون الصحف والإِذاعات والتلـﭭـزيونات تصاريحَ وإِرشادات وأَفكاراً وتنظيرات وأَحاديث و”توك شُو”ات، هل يملكون رسماً تقريبياً لخارطة لبنان الاجتماعية والسياسية والجيوﭘـوليتية للأَعوام العشْرة المقبلة؟ للأَعوام الخمسة المقبلة؟ للعامَين المقبلَين؟ لعامٍ واحدٍ فقط هو العام المقبل؟

          هؤلاء الذين يتقاضَون رواتبهم من أَموال الشعب، هلاّ قدَّموا للشعب رسماً تقريبياً لاستمرارية الوطن اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وسياسياً ؟

          هؤلاء الذين يُفتَرَضُ أَنهم يملكون المعرفةَ بما يجري وسَيَجري وكيف ومتى وأَين، هل يملكون للأَجوبة مفاتيحَ لبنانية؟ أَم ينتظرون مفاتيحَ من الخارج تَفتح أَبواب الداخل بأَيدٍ من الخارج تقبِضُ على مَن في الداخل حياةً ومستقبلاً ومصيرَ وطن؟

في عادة المحاكم أَن تَنشُر رسماً تقريبياً للمتَّهم حين المتَّهمُ متوارٍ ولا صورةَ فوتوغرافيةً له.

فمَن مِــنَ المسؤولين عندنا يملك رسماً تقريبياً للوطن كي نبحَث عنه كلُّنا لعلَّنا نَجدُه يوماً في انتظارنا على قارعة الأَوطان السعيدة؟