في أَجواء الصيام مع بَدْء رمضان المبارك، إِذا ليس جديداً مشهدُ صليبٍ وهلالٍ يتعانقان متجاوِرَين عند جَبين مسجدٍ وكنيسة، فالجديدُ الدائمُ في لبنان تأْكيدٌ إِيمانـيٌّ على العائلة الروحية اللبنانية بِــبُــيوتها الكثيرةِ مساجدَ وكنائسَ ومعابدَ مزروعةً مناراتٍ قُدسيةً في كل لبنان.
وإِذا التكرارُ ليس ضرورياً في مواضعَ شتّى، فمضمُونُهُ ضَروريٌّ في الإِيمان، لأَن صلاةَ العبادة نَتلوها كلَّ يوم، نُردِّدها كلَّ يوم، نَعيشها كل يوم، وليس هذا تكراراً بل تأْكيدٌ إِيـمانـيٌّ على التجدُّدِ الدائم في ديمومة العبادة.
بـهذا المفهوم أَقرأُ أَمامي كتاب “أَماكن العبادة في لبنان” أَصدرت وزارةُ السياحة طبعتَه الأُولى سنة 2006 ولا يزال نابضاً جَديداً متجدِّداً كما الصلاةُ الدائمةُ نابضةٌ جديدةٌ متجددة.
الكتابُ جميلُ الإِخراج، أَنيقُ الطباعة، في 96 صفحةً غنيةً بالصُّوَر والنصوص الأَكاديمية الموثَّقة، وضَعها خبراءُ في التاريخ والآثار والمعالم الدينية إِسلاميِّها والمسيحيّ.
يوضحُ الكتابُ منذ البدء أَن الأَماكنَ الدينيةَ الواردةَ فيه ليست سوى عَــيِّــنةٍ من المعالم الدينية في لبنان ولا تشمُلُها جميعَها.
لذا ركّزَتْ مقدِّمة المعالم المسيحية على “لبنان الأَرض المقدسة” المنوَّرِ ذكْرُها “منذ نشيد الأَناشيد” وسائر الكتاب المقدس واردٌ ذكرُه فيه 75 مرة، وعلى أَرضه مشى المسيح في صيدا وصور وقانا والصرفنْد وسواها، وركَّزَت مقدمةُ المعالم الإِسلامية على وُرُود لبنان في النصوص القديمة “أَحدَ أَجبُل الجنّة”، من صَخره بعضُ حجارة بيت الله الحرام في مكّةَ المكرَّمة، وعلى امتداد أَرضه تنتشر كتاباتٌ ونقوشٌ وخطوطٌ إِسلاميةٌ بخصائصَ من العهود المتتالية أُموياً ففاطمياً فأَيُّوبياً فمملوكياً فعثمانياً ولا انتهاء.
ويتنقَّل قارئُ هذا الكتاب الجميل بين أَماكن العبادة المسيحية في بيروت كنائسَ وكاتدرائياتٍ وأَدياراً، وأَماكن العبادة الإِسلامية في بيروت جوامعَ وزوايا ومساجد.
وينتقل بعدها إِلى الشِّمال بأَدياره وكنائسه في أَقضية بشرّي وزغرتا وطرابلس والمنْيَة والضنية وعكار، ثم بجوامعه ومُصَلَّيَاته ومساجده ومدارسه ومقاماته وتكاياه في الأَقضية الشِّمالية ذاتِها.
ومن الشِّمال إِلى جبل لبنان وبطريركيّاته وكنائسه ومحابسه وأَدياره في أَقضية جبيل وكسروان وبعبدا وعاليه والشوف، والمقامات والجوامع والخلَوات في أَقضية جبيل وعاليه والشوف.
ثم ها نحن في البقاع الوفير كنائسَ وأَدياراً ومغاورَ دهْريةً في أَقضية الهرمل وبعلبك وزحلة، ومقاماتٍ ومساجدَ وقُبباً وزوايا في أَقضية بعلبك وزحلة والبقاع الغربي وراشيا.
وتنتهي الرحلة الروحية في الجنوب مقاماتٍ ومَساجدَ في النبطية وحاصبيا ومرجعيون وبنت جبيل، وكنائسَ وكاتدرائياتٍ وجوامعَ ومساجدَ ومزاراتٍ ومقاماتٍ على أَرض صيدا وصور وما إِليهما.
في 96 صفحةً مكتنزةً روحانيَّةَ المكان وديموميَّةَ الزمان، جمعَت وزارةُ السياحة كوكبةً إِسلاميةً مسيحيةً وضَّاءةَ التَّوق إِلى فَوق، إِلى السماء التي تَحمي لبنان من العواصف والأَنواء، وتُبقيه، رُغم الغُيُوم السود، فضاءً مفتوحاً على التسامُح والمحبة واللقاء والعيشِ الواحدِ على أَرضٍ واحدةٍ يتصافحُ فيها شعبٌ واحدٌ بين بَسْمَلَةٍ وفاتحة، حتى تَتَبَسْمَلَ الأَجيالُ المقبلةُ على فاتحةٍ واحدةٍ من الإِيمان بلبنانَ الفرادةِ في صيغتِه الفريدةِ واحةً متفرِّدَةً على خارطة هذا الشرق.