حرفٌ من كتاب- الحلقة 176
“فُـصـولٌ من تـاريـخ لُــبــنــان”- سجعان قزي
الأَحـــد 6 تـمُّوز 2014

vdl_176_Histoire du Liban

          “وحدَهُ النظامُ العَلْمانـيُّ قادرٌ بعدُ أَن يُنقذَ وَحدة لبنان الدستورية، ووحدَهُ النظامُ الفدِرالي يمكنه أَن يُحافظ على وَحدة لبنان الطوائفية. فليست العَلْمانيةُ ضدّ الدين، والفدراليةُ ليست ضدّ الوَحدة بل للخروج من التقسيم إِلى الوَحدة. التقسيمُ حلٌّ اعتراضيٌّ والوَحدةُ واقعٌ افتراضيٌّ، فلا يكفي أَن تتقاتل قواتُ الطوائف لتنقسمَ الدولة، ولا أَن تتوحدَ مؤسسات الدولة لتستقرّ وَحدةُ الطوائف”.

          بهذه المعادلة التي اشتُهر بها أُسلوبُه الكتابي، افتتح سجعان قزي كتابه “فُـصـولٌ من تـاريـخ لُــبــنــان” جُزءاً أَوّلَ صدَر سنة 2013 في 276 صفحة، حاملاً فصولَ التاريخ من الفينيقيين إِلى الصليبيين، على أَن يَصدُرَ الجُزءُ الآخر من العثمانيين إِلى إِعلان دولة لبنان الكبير مروراً بالإِمارتين المعنية والشهابية وبتجربَتَي القائمقاميَتين والمتصرفية.

          بين دوافعه لوضع هذا الكتاب: ملاحظَتُهُ أَنّ مستشرقين أَو مؤرّخين وضعوا كتُباً عن تاريخ لبنان لا انطلاقاً من فضول البحث الموضوعي المحايد بل بناءً على طلب حكوماتٍ أَجنبية، خصوصاً أُوروﭘـية. ويرى أَنّ أَبرز من حَـوَّرَ هوية لبنان التاريخية: الأَب اليسوعي هنري لامنس سنة 1920 بناءً على توصية الجنرال غورو.

          الكتاب عَرْضٌ وتحليلٌ في ثلاثة أَقسام: الأَول للمرحلة الفينيقية بمداها والتشكيك بحالتها والطعن بهذه الحالة وانبثاق الأَبجدية والفتوحات وجاذبية الساحل الفينيقي، القسم الثاني لـمرحلة الفتوحات الإِسلامية: مبرِّراتها وظروفها والدخول الإِسلامي إِلى لبنان وتأْثير الحُكْم الأُموي على لبنان وملابسات انضمام المسيحيين إِلى الإِسلام ووضْع المسيحيين في الدولة الإِسلامية، والقسم الثالث لـمرحلة الصليبيين بمجيئهم إِلى لبنان والشرق وظروف حملاتهم وأَبعادها وبدء الردّة الإِسلامية على الصليبيين وتقويم عام للوجود الصليبي.

          ويعترف المؤلف بأَنه، بعد فراغه من وضع كتابه، خرج أَقلَّ حماسةً لبعض رموز لبنان، وأَقلَّ عصبيةً للقوميات والطوائف، وأَكثرَ حباً الفينيقيين من دون وثنيّتهم، والفرسَ من دون ظُلْمهم، واليونانَ من دون قوّاتهم، والرومانَ من دون فجورهم، والعربَ من دون فتوحاتهم، والصليبيين من دون حملاتهم، ومسيحيي الشرق من دون انقساماتهم، والقادةَ العظام من دون حروبهم.

          وهو لم يكتفِ بالسرد التأْريخي بل بوَّب الأَحداث بحسَب مَن صنعوا تاريخ لبنان ومَن شوَّهوا تاريخه ليُعمِّروا تاريخهم. فاللبنانيون إِذا هربوا من حاضرهم إِلى تاريخهم فاجأَتْهم قوافلُ الغُزاة والفاتحين والمحتلين، وإِذا عادوا من تاريخهم إِلى حاضرهم صَدَمَتْهُم مراحلُ الصراعات والفِتَن والمآسي طاغيةً على أَوقات السلام والفرح. لكنّهم في الحالين واعون بأَنهم أَصحابُ تاريخٍ عريق، يحنُّون معه إِلى التراث الفينيقي فيما لبنان عضوٌ مؤَسس في التراث العربي الحديث، وتسيطر العاطفة على الواقعية في حوارهم مع تاريخهم الذي يشكو من كثرة الأَساطير وقلّة الوقائع، من تخمة الانحياز ومحدودية الموضوعية، من تحوير حقيقته ليُعجِبَ هذه الطائفة أَو تلك الدولة، لينسجمَ مع هذه الهوية أَو تلك العَباءة، ليناسبَ هذه القومية أَو تلك العقيدة.

          هكذا يبحث المؤَلّف لوطنه عن بطاقة إِقامة دائمة في هذا المشرق المتوسطي إِثْر محاولات منْعه من الإِقامة على أَرضه.  وجَدَ جُزءاً من تاريخ وطنه رهنَ التحقيق من دون تقديم شكوى، وجُزءاً ثانياً قيدَ الاعتقال من دون استنابة قضائية، وجُزءاً ثالثاً محكوماً بالكتمان من دون أَدلّة اتهامية، وفوجئ بشُهودٍ توارَوا كي لا يُدْلوا بشهاداتهم، وبقضاةٍ قدَّموا استقالاتهم لئلا يخونوا ضميرهم، وبـمحامين احتجّوا لـمنعهم من حق الدفاع.

مع ذلك يختُم المؤَلّف خلاصاتِه متفائلاً بـ”مستقبلٍ لبناني يصنعه اللبنانيون بأَقلِّ قَدْرٍ من تدَخُّلٍ خارجيّ، وبأَكثرِ نسبةٍ من لامركزيةٍ تحترم تعدُّدَ طوائفِه وفئاتِه ونَمَطَ عيشِ كلّ فئةٍ على حِدَة”.

سجعان قزي، ومعه اليوم حقيبةُ العمل في الحكومة الحالية، يومَ يغادرُ الحكومةَ سيُكمل حمْل حقيبة العمل على تنصيع صورة لبنان كما وسَمَها في هذا الكتاب: “وحدةً لبنانيةً عميقةً ومنيعةً تجاه التحدّيات التاريخية التي تنتظر لبنان”.