مركز التراث اللبناني:
50 مقالة مجهولة لأمين الريحاني
ختم “مركز التراث اللبناني” سلسلة محاضراته الشهرية التي يقيمها في الجامعة اللبنانية الأميركية بلقاء حول نصوص “كشكول الخواطر” لأمين الريحاني وهي خمسون مقالة نشرها في جريدة “الهدى” النيويوركية بين 1901 و1904 وبقيت مجهولة حتى جاء الباحث جان داية فجمعها ونسقها في كتاب صدر قبل أيام عن منشورات “فجر النهضة” ومهد لها بدراسة مفصلة عن نتاج الريحاني في تلك الفترة.
شارك في اللقاء جان داية والدكتور لطيف زيتوني والصحافي طلال سلمان رئيس تحرير “السفير”، وافتتحها مدير المركز الشاعر هنري زغيب الذي رأى أن “الريحاني في هذه المقالات كان يغطّ قلمه بحبر المستقبل فجاءت نصوصه رؤيوية لا لزمنها وحسب بل لكل زمن لاحق لأنها عالجت أموراً لا تزال حتى اليوم تشغل مجتمعاتنا. وهذا ما يجعله مصلحاً أدبياً واجتماعياً كما يظهر من تلك المقالات المبكرة التي نشرها الريحاني في مطلع حياته الأدبية”.
منسق الكتاب جان داية روى قصة اكتشافه هذه النصوص الخمسين، حين قصد مكتبة الكونغرس بحثاً عن مقالات جبران في جريدة “الهدى” النيويوركية فلم يعثر له فيها إلا على كلمته في رثاء سليمان البستاني منشورة في 9 تموز 1925. لكنه عثر على مجموعة مقالات لأمين الريحاني بعنوان “كشكول الخواطر” نشرها في “الهدى” جريدة صهره (زوج شقيقته) نعوم مكرزل بين 1901 و1904، و”كان يمكن أن تمتد أكثر لولا خلاف عائلي مع صهره بسبب طلاقه من شقيقة الأمين، وخلاف سياسي بين مكرزل الطائفي المحافظ والريحاني الراديكالي العلماني. وانقطع الريحاني عن “الهدى” مؤْمناً بعقيدته السياسية الاجتماعية المناهضة كل صراع طائفي”.
وروى داية أن مطالع كتابات الريحاني ترقى إلى مطلع تأسيس “الهدى” سنة 1898 لكنه منذ 1901 بدأ ينشر في زاويته شبه الدورية “كشكول الخواطر” ممهداً لصدورها لاحقاً في كتاب مستقل كان، لولا نشرها، سيحل الثاني بعد كتابه “المحالفة الثلاثية في المملكة الحيوانية” الذي نشره مكرزل سنة 1903. غير أن المقالات انطوت مع “الهدى” ولم تصدر في كتاب حتى جاء داية فجمعها في هذا الكتاب وأبقى له على عنوان سلسسة المقالات “كشكول الخواطر”.
زيتوني: كأنها لزماننا
الباحث الدكتور لطيف زيتوني جعل مداخلته عن الريحاني بعنوان “ثَــورةٌ لـــزَمَـنـنـا منذُ ذاك الـزَّمَـن الباكـر” معتبراً أن “خواطر الريحاني في “الكشكول” هي بذورُ أفكارٍ نمت ونضجت مع الزمن، فهي من نتاج الأمين في السنوات الأربع الأولى من القرن العشرين ما يدل على جدة الأفكار التي حملتها تلك المقالات في زمانها مقارنة بما كان سائداً في الفكر العربي يومذاك، نشرها الريحاني وكان في الخامسة والعشرين ما يدل على ثقافته الواسعة منذ تلك السن المبكرة. فهو يتوقف عند الداروينية فينتقدها، وعند أعمال تولستوي فيبدي ملاحظاته عليها، وعند أفكار فولتير وكتبه فيعلق عليها، ويستشهد بجان جاك روسو، ويتحدث في السياسة والاجتماع والاقتصاد والثقافة والتغيير. وفي كل ذلك يجاهر بانحيازه الى الفكر التنويري لفلاسفة القرن الثامن عشر وهو أنبت ثورة فرنسية قلبت كل المفاهيم الموروثة ورسمت أسس الدولة الحديثة والمجتمع العلماني الحر”.
وختم بأن “الثقافة والوعي وسما كتابات الريحاني المبكرة، فكان “كشكوله” مشتت الموضوعات لكن خواطره مركزة واضحة صادرة عن عقل قرأ تجارب الشعوب وأفكار مثقفيها فأحسن تحديد الخيارات التي تصلح لشعبه. من هنا أن أفكار “الكشكول” أفكار لزماننا تحمينا من التطرف والاستبداد والاستغلال، وتشحن إرادتنا على المواجهة، وتحثنا على الانخراط في سياسة بلادنا والمشاركة في حركة زماننا. إنها أفكار لزماننا الذي يعاني من سلفية دينية تمتهن التفجير والتهجير باسم الصفاء الديني، وسلفية قومية تنبش الجذور وتعيد رسم الهوية وتخلق الصراعات باسم الصفاء العرقي. وهاتان السلفيتان تهددان التعايش في مجتمعات العالم اليوم”.
سلمان: كان أشجع منا
رئيس تحرير “السفير” طلال سلمان قرأ مقالات الريحاني على ضوء حاضرنا فرأى أن “من حظنا، نحن كتاب الافتتاحيات في الصحف المحلية خاصة والعربية عموماً، أننا ننشر ما تخطه أقلامنا في غياب أمين الريحاني وفي غفلة منه، فلو كان موجوداً بيننا لانصرف الناس إليه، وتركونا نتحايل على المعنى بتبديل الكلمات، ونخادع القراء بتمويه المواقف تحاشياً لاتهامات خطيرة أبسطها الزندقة والتهجم على الدين ورجاله، أما أهل السلطة فسيفترضون أن التوصيف صادق على قسوته لكنه موجه إلى غيرهم”.
ووجد سلمان أن الريحاني “كتب عن الوطن كأنه فيه مع أنه كان بعيداً عنه، وكانت رؤيته واضحة بحيث يمكننا أن نعيد نشر كتاباته اليوم وكأنها مكتوبة عنا وفينا، حكّاماً ومحكومين، رجال دين وكتّاباً ومثقفين. كان أشجع منا وهو ينقد مفهوم الدين التقليدي وطقوسه ورجاله الذين يرمون كل من يخالفهم الرأي بالإلحاد، وكان يرفض الألقاب، وهاجم حكام البيت الأبيض وحيتان المال. فلسنا نملك أن نقول اليوم مثل قوله: “تختلف وظيفة الرسول عن وظيفة السياسي كما يختلف البطريرك عن المتصرف والمصلح، فالذي يقلد نفسه الوظيفتين يجلب البلاء إما على الدين وإما على الوطن”…”.
وختم بأن الريحاني “كان يكتب للغد، ولذا استشرف الصراع الطوائفي ونبّه إلى كوارثه التي ما زلنا نعاني منه ويقف حائلاً بيننا وبين بناء الدولة، وهذا المرض الخبيث يضرب وحدة المجتمع ويمزق الأواصر بين الإخوة ويعيدنا إلى جهالة الماضي فنخسر الحاضر وندمر المستقبل”.
وفي ختام اللقاء كان حوار بين الجمهور والمحاضرين، وأعلن مدير المركز عن ختام محاضرات هذا الموسم الجامعي استعداداً لموسم جديد أول اثنين من كل شهر بدءاً من تشرين الأول المقبل.