بين زياراتي في صوفيا مسؤُولين ثقافيين: اجتماعي بنائِب وزير الثقافة البلغاري ﭬـاسيل فاسيليڤ والحديث معه عن ميزانية الوزارة ومقدارِ دعمها الأَنشطةَ الثقافية في البلاد ومفهومِها هذا الدعمَ ومعايـيره.
كان شرحُ نائب الوزير غنياً بأَرقام المعلومات على حماسةٍ في التفصيل، هو الآتي إِلى حقيبة الثقافة من اختصاصه مصمّماً كوريغرافياً شارك في إِخراج عددٍ كبيرٍ من الأَعمال المسرحية والأُوﭘـرالية.
لفتَني في عرضه عددُ صالات الأُوﭘــرا في العاصمة صوفيا وفي المدن البلغارية الكبرى، إِلى عدد آخر كبير من المسارح في المدن وحتى في الأَرياف، إِلى عددٍ مماثل في غالريات الفنون التشكيلية. أَما الدعم فليس مطْلقاً ولا مبْلغاً سنوياً مقطوعاً بل هو نسبيٌّ وفق ما يحصّله شبّاك التذاكر فتكْمل الوزارة نقصاً في ميزانية العمل يجعله غيرَ خاسر، ويشجِّع على البدء بتحضير العمل التالي.
الأَمر ذاته لاحظتُه لدى الدكتورة لودميلا ديـمِتروﭬـا مديرة المركز الثقافي في وزارة الخارجية، وهي تبسّطت لي في ما يرعاه المركز في الوزارة من معارضَ فنية وأَنشطةٍ ثقافية عبر سفارات بلغاريا في العالم لنشر التراث الثقافي البلغاري في الدول، وتعميم الوجه الحضاري مندمجاً في الوجوه الحضارية العالَـميّة.
موازنة الدولة البلغارية تسخى على وزارة الثقافة والمركز الثقافي في وزارة الخارجية إِيماناً منها بأَنّ الشأْن الثقافي وجه البلاد الثابت الذي لا تغيّره الظروف السياسية المتغيّرة. واعتزاز بلغاريا بابنتها إِيرينا بوكوﭬـا ليس فقط لأَنها المديرة العامة لمنظمة الأُونسكو بل لأَنها تحمل في اسمها ولقَبِها ومنصبِها تراثَ بلادها الثقافي.
هذه الظاهرة لـمستُها كذلك خلال زياراتي الأُخرى في صوفيا أَماكنَ ثقافيةً وتربويةً وتاريخيةً وأَثريةً تشير إِلى اهتمام الدولة بها لتكون مرآةَ حضارتها وتاريخها فيظلّ الأَمس موصولاً بالمستقبل، وذاكرةُ الآتي نابضةً بعروق الماضي وأَعلامه ومعالـمه.
إِنه بقاءُ الدوَل الحضاريُّ تَضمنُه الثقافة أَكثر من أَيّ معيارٍ آخر فتسخى عليه بميزانياتٍ وافية، وتهتم بإِرثها الثقافي ثابتاً في مواقعها المحلية، أَو جوّالاً في أُوركسترا سمفونية أَو فيلارمونية تحمل اسم البلاد أَو مدينتها، أَو في معرضٍ متنقِّلٍ بأَعماله في صالات العالم حاملاً وجه البلاد التشكيلي لوحاتٍ أَو منحوتات.
وزارةُ الثقافة تتحوّل “سيادية” (بالتعبير اللبناني) حين تُصبح وزارة “تعريف فعْل” لا وزارة “تصريف عمَل”. وعندها، بعيداً عن أَن تكون سلطة وصاية، تَغدو – إِذا أَعطتها الدولة ميزانيةً محترَمة – ركناً أَساسياً يجعل للدولة وجهاً حضارياً في العالم يغطّي وجهها الـمحليّ بتجاعيده السياسية.
وهذا ما لم تَـعمَل له بعد، في توزيع موازنتها، الدولةُ اللبنانية.