بضْعُ نقاطٍ من دمه في قارورةٍ مباركة، عشيةَ وفاته، باقيةٌ ذخيرةً حيةً يتبَرَّك منها المؤمنون، بدأَت تغادر الـﭭـاتيكان في جولة إِلى العالم، وإِذا محطتُها الأُولى عندنا كما ليتكرّسَ لبنان ثانيةً، باسمه قدِّيساً هذه المرة، “وطناً رسالةً” كما وَسَـمَه.
كأَنما طبيعيٌّ لرحلة ذخيرته أَن تبدأَ من أَرضنا، وهو في مثل هذا الشهر قبل 17 عاماً (11 أَيار 1997) وقَفَ على شرفة بازيليك سيدة لبنان في حريصا وأَعلن لبنان “وطن الرسالة” وسلّم الإِرشاد الرسولي “رجاءً جديداً للبنان”.
وفي مثل هذا الشهر أَيضاً قبل ثلاثة أَعوام (أَول أَيار 1911) على شرفة الـﭭـاتيكان وقَفَ خلَفُه بِــنِــدِكْــتُــوس السادس عشر وأَعلنه طوباوياً.
وهوذا الشهر نفسُه هذا العام يَشهَد قطرات دمه عندنا تُكرِّس لبنان أَرض الرسالة التي تنشر فَــوحَها على العالم.
وكان مدركاً فوحَها حين صلّى على أَرضِ لبنان، أَرضِ الصلاة الجامعةِ المؤْمنينَ في مساجدهم وكنائسهم، أَرضِ المصَلّين في قرآنهم وإِنجيلهم، أَرضِ شربل ورفقة والحرديني، أَرضِ الإِمام الأُوزاعي، أَرضِ الجبل الذي هو “أَحدُ أَربعة أَجْــبُــل الجنّة” كما ورد في الحديث النبوي الشريف.
لا، لم يقُلْها عاطفياً يوحنا بولس الثاني.
قالها لأَنه يعرف ما لبنان تاريخياً ولاهوتياً وروحياً.
قالها لأَنه مدركٌ أَن صيغةَ لبنان فريدةٌ في العالم، وشاءَه يبقى هذه الصيغةَ الفريدة التي تمناها تتعمّم على بلدان الآخرين.
أُفكّر بالقدّيس الجديد صديقِ لبنان، وأُفكّر تَوازياً بالأَربع والعشرين ساعةً المقبلة، ولبنانُ الصيغة، لبنانُ الرسالة، مقبلٌ على لقاء نوابه تحت قبّة مجلسهم غداً الخميس لينتخبوا رئيساً جديداً يليق بلبنان الصيغة، بلبنان الرسالة، بلبنان مستقبلِ أَبنائه على أَرضه وفي العالم.
أَقول هذا، وأُفكّر بالأُعجوبة التي أَوصلَت يوحنا بولس الثاني، صديقَ لبنان، قديساً على المذابح، وبدأَت تنشأُ له كنائس في لبنان يقصدها المؤمنون ويصلُّون له ويبتهلون إِليه أَن يقوم بــ”أُعجوبةٍ لبنانية”.
عشيّة اجتماع النواب غداً الخميس كي يُحَكِّموا ضمائرهم وينتخبوا رئيساً للبنان، إِخالُ المؤمنين يركعون الليلة، يُصَلُّون بخشوعِ الإِيمان الممزوجِ بالقلق على غدِهم والخوفِ على لبنان، ويَبتهلون إِلى قدّيسهم الجديد صديقِ وطنهم أَن يجترح أُعجوبةً تنقذُ لبنان من فم التنين، وتجعلُ له رئيساً يكرّس هويته اللبنانية الفريدة، فيكونُ النواب على مستوى انتظارات الشعب، واقتراعُهم مدخلاً إِلى عهدٍ جديدٍ يؤكّد دورَ لبنان الرسالة، ونشهدُ أُعجوبةً حيةً تُلهمُ ضميرَهم، فتكونُ ذخيرةُ يوحنا بولس الثاني عندنا أَنقذَتْ نوّابنا من الاستلام والاستزلام والزبائنية والمحسوبية والتَبَعية، وجعلَتْ لهم ضميراً لبنانياً نقيَّ الدم اللبناني الصِرف كما نقيةٌ صِرفةٌ نقاطُ الدم في ذخيرة يوحنا بولس الثاني وهي هذا الأُسبوع بالذات باركَت أَرض لبنان.