كان طبيعياً لرئيس الحكومة تَـمَّام سَلام – بعد مَـخاضَيْها الـمُمِضَّيْن: تَشكيلاً وبياناً وزارياً – أَن يُعلن عن بدء العمل فعلياً ورسمياً في رسْم خطَط العمل الحكومي، ووضْع أَولوياتٍ مُلِحَّةٍ ستَـتَولاّها حكومتُه انطلاقاً من الواقع الـحادّ في البلاد أَمناً سياسياً وعسكرياً واجتماعياً، واقتصاداً متهاوياً حتى القلق.
ولكنْ… إِجمالاً: هل وحدَه الواقع يفرض رسْم تلك الأَولويات؟ أَم ثمة قواعدُ علميةٌ ثابتةٌ ذاتُ معايـير مُـختَبَرة لوضْع أَولوياتٍ أُولى ثم أُخرى ثانويةٍ تليها؟
في دراسةٍ أَميركيةٍ صدرَت سنة 2009 عن جامعة كاليفورنيا في بِركْلي أَنْ ثمة مبادراتٌ تَـحتلُّ الأَولوية لدى القادة السياسيين الـمَحلِّيين والدُوَليين، بينما مبادراتٌ أُخرى، على أَهمّيتها، تأْتي في درجةٍ لاحقة.
فَـمَا الذي يُـحَدِّد اختيار الأَولويات الوطنية في خدمة البلاد؟
تُحدِّدُهُ أَربعةُ عوامل:
1- نفوذُ السياسيين أَصحابِ الـمُبادرة وفاعليةُ سْلطتهم.
2- قوةُ الأَفكار التي يقدِّمونَـها لتنفيذ الـمُبادرة.
3- طبيعةُ الإِطار السياسيّ الذي ستُنَفَّذُ ضمْنه الـمُبادرة.
4- خصائصُ تلك الـمُبادرة وطبيعتُها.
مُقاربة هذه الأَربعة العوامل تكشف الفَرق بين سياسيٍّ يَطرحُ أَولوياتِه هوَ ويفرِضُها وَفْق أَفكاره وطَريقته وإِطاره فيُطـبِّـقُها لـمَصلحته السياسية وحساباته الانتخابية، وسياسيٍّ يَطرح تلك الأَولويات ويطبِّقها وَفْق مُـجْـرَيات البلاد وطريقةِ الـمُعالَـجة الناجعة وإِطار الوطن لـصالـح الوطن ومصلـحة الـمُواطنين أَياً تكُن انعكاساتُها على صورته السياسية الشخصية ولو كانت تُناهض مُـحازبيه ولا تُرضي قاعدتَه الشعبية، فصالـحُ الوطن، في رأْيه، أَعلى من مصلحة المواطنين، وتالياً أَهمُّ من النَّزَعات والرغبات والـمُيول في صفوف ناخبيه وجَـماعاته.
وعندنا، مع أَنّ الواقع الأَمنيّ والسياسيّ يفرض أَحكامَه على الـمسؤولين، لا بُــدَّ من تلك الأَربعة العوامل حتى يُقنِعَ الـمسؤُولُ الـمُواطنين أَنه لا يُـخدِّرهم بِـوُعوده، ولا يَعدُهم بِـما لا يَستطيعه (وهو ما أَعلنه رئيس الحكومة بكلمته الأَخيرة في الـﭙـَرلُـمان).
الواقع عندنا صعْبٌ ومُــرٌّ ومعَقَّد، وعلى الـمسؤُول أَن يكونَ ذا مصداقية في التزاماتِه كي يكونَ لنُفوذه وقْعٌ حاسِم، ولأَفكاره مَوقعٌ حازم، ولإِطاره السياسي واقعٌ عازم فتكونَ لأَيِّ مبادرةٍ يَنويها، أَو يُعلِن عنها، فاعليةٌ تُقْنِع الـمُواطنين، وتَـمْنَع الـمُمانِعين، وتَردَع الأَشرار والـمُخَرِّبين.
الـمعيار: هَيبَة الـمَسؤُول.
ومتى فرَضَ هَيْبتَه، فرضَ هيبةَ الدولة، فتفرض الدولةُ عندها هيبةَ الوطن على أَهل الوطن وجميع العالم.
وهذا هو الـمِقياس لنجاحِ كُلّ حُكْمٍ، وكُلّ دولةٍ، وكُلّ وطن.