بين “خَلْق” الـمعرفة و”نَشْرِ”ها رسالةٌ لعلَّها الأَسمى في تقديمِ فجرٍ للإِنسانية حاملٍ كنُوزَ النور الـمُنقِذِها من عتمة الجهالة.
جَوهرُ هذه الرسالة: بلوغُ مصادر المعرفة في حيثُما يسهُلُ اقتطافُ خلاصاتها غذاءً لـجيلِها ولكلّ جيلٍ بعده.
كانت السفن الراسية في مرفإِ الإِسكندرية تنتظر أَياماً مستطيلة ريثما يستعيرُ منها الخبراء مخطوطاتٍ يستنسخونها بكل تُؤَدَة ورسالية كي تبقى لها نُسَخٌ في مكتبة الإِسكندرية، أَقدمِ مكتبات العالم (تأَسسَت في القرن الرابع قبل الميلاد) حتى تجمّع فيها نحو 700 أَلف مجلَّد من المخطوطات.
ظاهرةُ هذه الرسالة الأَسمى نسَجَها وقائعَ وتفصيلاً أُستاذُ التاريخ في جامعة أُوريغُن الأَميركية يان ماك نيلي وزوجتُه لـيـزا وُولْـﭭـِـرتون في كتابهما الشهير “إِعادةُ ابتكار المعرفة – من مكتبة الإِسكندرية إِلى الإِنترنت” وفيه سرَدَا “تطوُّر نشْر المعرفة عبر خمسة مصادر: المكتبة، الدَّير، الجامعة، الأَدب، الـمختبَر، مواصَلَةً إِلى وسائط التكنولوجيا بلوغاً إِلى شبكة الإِنترنت”. وعنهما أَنّ “المعرفة، إِن كانت في مطالعها شفويةً من مصادر بثّها ثم كتابيةً من مصادر نشْرها، فهي مع العصر التكنولوجي والإِلكتروني الحالي بلغَت كلتَيهما معاً، وفي الوقت ذاته بالـمُخاطَبة الـمُباشِرة، كتابةً أَو شفاهةً ولو عن بُعد، ما يَفتح الأُفقَ وسيعاً لتبادُل الـمعرفة ونشْرها وتلَقِّيها فلا يُـحرَمُ منها أَحد”.
هذه السهولة في بلوغ الـمعرفة يجب أَلاَّ تؤَدّي إِلى الاستسهال في بثِّها، وتالياً تسطيح عناصرها حتى تُصبحَ مؤْذيةً أَو في أَفضل الأَحوال غيرَ نافعة، فتكون انتقلَت من صعوبة بُلُوغها سابقاً إِلى تسخيف بلوغها راهناً.
المعرفةُ واحدةٌ من حيثما تَنبع إِلى حيثما تَصِل. يبقى الأَهمّ إِيجاد الآليات التي تتعهَّد بَثَّها فإِيصالَها كي تكون ثمارُها خلاصة الخلاصة في الاغتذاء منها. الـمهم الإِفادة من مصادرَ حديثةٍ للـمعرفة أَمَّنت بقاءَ الـمعلومة لا إِلى زوال. ففيما كان كارثياً احتراقُ مكتبةٍ في الـماضي بِـمخطوطاتها ووثائقها، باتت الـمكتباتُ الافتراضيةُ اليوم ضمانةً لبقاءِ الـمعلومة في حالتها حتى ولو زال مصدرُها الأَوّل.
تعيشُ البشرية اليوم أَعلى ما بلغَه تاريخُها من أَوْجٍ تَشهَده هذه “القرية الكونية” التي بلوغُ أَقصاها بات عند طرَف سبّابة تَضغط على مكبس هاتفٍ خَلَوي محمول. من هنا لم يَعُد لأَحدٍ أَن يَتَحَجَّج بإِعاقة الوصول إِلى المعرفة التي باتت تأْتي إِليه في أَقلَّ من رفّة عين.
من جيلِ الحاضر إِلى أَجيالِ المستقبل: هديةُ “مُـجتمع المعرفة” الذي أَدنى مآثرِه أَن يجعلَ الفكرَ يَبلُغ أَبعدَ ما في الكون، وهو جالسٌ مستريحاً أَمام… شاشة آيـﭙـاد.قلّأقلُّ ت