نقطة على الحرف- الحلقة 1138
أَسطعُ من وهج الأَلعاب النارية
الأَربعاء 12 شباط 2014

          لافتاً في افتتاح الأَلعاب الأُولـمـﭙـية الشتويّة قبل أَيام في مدينة سوتْشي الروسية كان تسجيلُ مقاطعَ من الأَدب الروسيّ رافقَت الـلوحات الفاخرة والأَضواء الباهرة والـمَشاهد الـماهرة موسيقياً وكوريغرافياً ورياضياً، ما استعاد في بال الـمُشاهدين، مَـحلياً هناك والـمتابعين تلـﭭـزيونياً في كلّ الـعالـم، كبار أُدباء وروائيين روس قهَرَهم النظام السابق، فنفى سـولـجينيتسين سنة 1974 عشرين عاماً خارج بلاده عقاباً له على روايته “أَرخبيل الغولاغ”، ومنعَ بوريس ﭘـاسترناك من استلام جائزة نوبل للآداب على روايته “دكتور جيـﭭـاغو” سنة 1958 ليموت قهراً بعد سنتَين ولا يـمشي في جنازته سوى بضعة أَصدقاء لم يتعدَّوا العشرة، ولم يُسمَح بصدور روايته في موسكو إلا ّ بعد ربع قرن على صدورها خارج قضبان الاتحاد السوﭬـياتي. هذا عدا أُدباء وشعراء كثيرين نفاهم النظام التوتاليتاري الشيوعي إِلى سيبيريا ومعسكرات الاعتقال فمات منهم مَن مات وهرَب مَن هرَب وسقَط مَن سقَط تحت سياط العذاب والقهر والجوع.

          هكذا إِذاً: في أَكبر احتفالٍ عالـميّ مشهديّ (كلّف نحو خمسين مليار دولار) كان من روسيا – روسيا الآداب الكبرى والآثار الكبرى والأَعلام الكبار في تاريخ الأَدب – أَن أَعادت الاعتبار إِلى أَولئك الذين صنعوا مـجد روسيا في التاريخ الإِبداعي. ذلك أَنّ الإِبداع هو الخالد، أَدباً وفناً وثقافةً من قلب التاريخ، وما عداه زائل إِلى عابر الأَيام.

          يذكِّرني هذا الأَمر بيومِ كان الرئيس الـمصري أَنور السادات في كانون الأَول 1975يستقبل الرئيس الفرنسي ﭬـاليري جيسكار ديستان، وهو مؤلّفٌ وكاتبٌ قبل أَن يكون رئيس فرنسا، حتى إِذا وصل إِلى قصر الاتحادية الرئاسي في القاهرة وَجَدَ بين مستقبليه بضعة سياسيين وعدَداً كبيراً من أُدباء وفنانين قال عنهم السادات يومها إِنهم وجه مصر الحضاري.

          ويوم زار ليوﭘـولد سنغور لبنان في مطلع الستينات بدعوة من ميشال أَسمر مؤسس “الندوة اللبنانية” يلقي محاضرة على منبرها، كان أَولُ طلب سأَله سنغور أَن يلتقي أُدباءَ لبنان وشعراءَه قبل الحضور السياسي، فلم يكن في احتفال الاستقبال الرسمي الذي أَقامته له الدولة إِلا رئيسُ الوزراء يومها رشيد كرامي، فيما احتشد لاستقبال سنغور أُدباء وشعراء من كلّ لبنان تقاطَروا يصافحون الشاعر الرئيس الذي رفع الزنُوجة إِلى الشعر، وجعلَها قضيَّتَه بالشعر، وبالشعر ظلّ يلهَج حتى وهو رئيس السنغال.

          من مقاطع الأُدباء في افتتاح الأَلعاب الأُولـمـﭙـية الشتويّة في سوتشي، إِلى استقبال الأُدباء جيسكار ديستان في القاهرة، إِلى استقبال أُدباءِ لبنان سنغور في بيروت، نماذجُ من خلود الأَدب الباقي على الزمن مهما طغَت موجةُ الزبَد السياسي على فترة من الزمن. فالزبَدُ مصيرُه الذوبان على حصى الشاطئ، ومصيرُ الأَدب أَن يبقى في قلْب البحر لا يعلو مع موجةٍ ولا يهبط مع أُخرى.

وهذا، مهما قَسَا، هو القدَرُ الجميلُ في تاريخ الأَدب والأُدباء.