أَزرار- الحلقة 830
قلْبُ الرَّبيع… الشتاءُ العاصف
السبت 8 شباط 2014

          طبيعةُ الطبيعةِ التَّجدُّدُ فصلاً بعدَ فصل، وطبيعةُ الموسيقى التَّجدُّدُ في كلّ فصل.

          ومن اللَقِيَّات الـموفَّقة هذا الـموسم: اختيارُ “مهرجان البستان” عنوانَ “الـموسيقى والطبيعة” لدورته الحادية والعشرين.

          الافتتاح “في مملكة الطبيعة” زوغةُ فرَحٍ مع دﭬـوراك (“في عالـم الطبيعة”)، وروبرتو مولينيلّي (“قلبُ الربيع… الشتاءُ العاصف”) والختام “من العالَـم الجديد” السمفونيا التاسعة لـدﭬـوراك الذي قال يوماً: “الطبيعةُ عطيّةُ ربّ العالـمين واهبِ الحياة”.

          هي الطبيعةُ تتخاصر والموسيقى في موسم “البستان” لتَصدحَ آلاتُها وأَصواتُها من لبنان معلنةً أَنّ الربيع آتٍ مهما تَـجبَّرَت العواصف.

          وهو الـحُلْم تأْخُذُنا إِليه الـموسيقى بتآليف كبارٍ لو لم يحلُموا لَـما كانت الطبيعةُ فاحت من موسيقاهم أَلوانَ أَملٍ ورجاءٍ بأَنّ الليل لن يطول مهما طال، والنجومَ ستخجل من نور الشمس، والقمرَ سينسحبُ إِلى بيته حين ينفتحُ بابُ الصباح.

          الأَمل، بل الرجاء، بل الإِيمان بالإِنسان القادر، بالوطن الغامر، بالمستقبل السادر، وليكُنْ أَنَّ الـموسيقى نَـدْهةُ الارتقاء بالروح إِلى عليائها القُصوى، بالقلب إِلى لحظاته النَّشوى، وبالفكر إِلى سماواته العَلوى.

          الأَمل، الرجاء، الإِيمان، قُلتُ؟ هوذا ثالوثٌ نابضٌ في قلب قوةٍ عُظمى هي الحب.

          وحدَه الحب ينبُض القوةَ والتفاؤُلَ والشغَفَ، ووحدَه يغمُر الطبيعة بالجمال ويعانقُ الموسيقى بالفَرح.

          لا قوّةَ أَقوى من الحب طريقاً إِلى القوة الـمُطلَقة: “قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُـحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُـحْــبِــبْــكُمُ اللَّهُ(آل عمران:31(، “أَحبُّوا بعضَكم بعضاً كما أَنا أَحبَبْتُكم(يوحنا 12:15).

          الـمُشكِّكون بربيع بيروت -وتوسُّعاً بالربيع العربي- يَـحكُمون عليه وَسْط جُنون النَّــوّ وهيجان الأَعاصير، وهذا تَسَرُّعٌ في الحُكم غيرُ مسؤُول.

          الشعب الذي ينتفض لا يبلغُ فجرَه في اليوم التالي. الفجرُ يبطئُ كي ينقى من رماد الليل، ثم يُشرق.

          هكذا حريةُ الشعوب: تَرزَح طويلاً تحت السُّوط، تَـحزَن طويلاً على الشهداء، لكنها تَبزُغُ من شعاعِ شمسٍ يـبـتـسم فتَكتمل به الشمسُ ويَسقط السوط ويرتفع الشهداء.

          تماماً كالطبيعة: يَطول شتاؤُها متطاولاً على السكون، مستطيلاً في الجنون، مُطَوِّلاً في الشجون، لكنّ ربيعَها آتٍ من أَرض الجِنان وأَقاليم الأَلوان ومغاني الدفء والحنان.

          تماماً كالموسيقى: يَطول انتظارُها لحظةَ الولادة حتى إِذا كاغت شَعشَعَت نغَماتُها تُنعِش طبيعةَ القلب وقلبَ الطبيعة.

          لا يَغْلُبَـنَّـنا اليأْسُ ولا يُطْـفِـئَــنَّــنا ضيقُ النَّفَس.

          بين الطبيعة والـموسيقى عِناقُ جَـمال.

          بين الحرية وانتظار الحرية عناقُ إِيـمان.

          بين آخِر ديمةٍ شَتَويةٍ وأَوَّل زهرةٍ ربيعيةٍ عناقُ فصلٍ جديدٍ، مَوسمٍ جديدٍ، عالَـمٍ جديد.

          فَلْنَفْتَحْ صَدرَنا للطبيعة وقلبَنا للموسيقى ونبْضَنا للحُب، تَفْتح لنا الطبيعةُ موسماً طيِّباً لأَحلى نغَمات الحياة.