حرف من كـتاب- الحلقة 155
“انقضاء الشرق”- سَمير عطالله
الأَحـد 9 شباط 2014

vdl_155_Samir Atallah Cover

            ما الذي يبقى للكتاب بعدما تكون نُصوصُه صدَرَت أُسبوعياً في الجريدة ثم عاد فَضَمَّها كتاب؟

          قُــرَّاءُ الكتاب أَقلُّ من قُــرّاء الجريدة حين تكون رائجة وتطبَع بآلاف النسخ. فهل مَن يبقى لقراءة الكتاب؟

          نعم. طبعاً يبقى. ويبقى الأَهم: النصُّ تحميه دفتان من السقوط في ورق الصحف الأَسمر، وهوية الكاتب كاملةً في جزءٍ كاملٍ غيرِ مُـجَــزَّإٍ إِلى فقرات.

          “دمعة وابتسامة”، “العواصف”، “البدائع والطرائف”، ثلاثة كتُب كانت نصوصُها منشورةً منثورةً في المجلات والصحف، ولكانت ضاعَت مبعثرةً في الزمان لو لم تنجمع في كتبٍ أَكَّدَت على هوية جبران الكاتب وفكره ونظرته إِلى الأُمور التي عالجها.

          أَقول هذا وأَمامي كتاب “انقضاء الشرق” للكاتب والصحافي سمير عطالله، وفيه واحدٌ وخمسون نصاً هي افتتاحياتُهُ صباح الأَربعاء في جريدة “النهار” سنَتَي 2012 و2013، عمَدَت “دار النهار” إِلى إِصدارها كتاباً وسيطَ الحجم في 210 صفحات.

          لم يفصل بين النصوص تقسيمٌ يُشير إِلى فصولٍ وأَبواب بل هي منشورةٌ تسلسُلاً زمنياً كما صدرَت في الجريدة، يُـمَيِّزها نبضُ سمير عطالله في الكتابة متوهجاً مكتنزاً بِـمعلومات حول الموضوع تَقودُ إِليه أَو منه تنبجس، حتى لكـأَن كُلَّ مقالٍ موسوعةٌ مصغَّرةٌ من المعلومات أَو نصٌّ موسَّعٌ في مِـحوَرٍ ضيِّق. وتغمُر الكتابَ هويةُ سمير عطالله في نسيجه الكتابي الخاص الطالعِ من تجربةٍ صحافيةٍ طويلة تحمل بصمتَه المغايرة في السخرية الحادَّة واللمعة الجادَّة.

          موجِعٌ كثيراً سمير عطالله حين يكتب. أَفتح الكتاب اتّفاقاً وأَقرأُ: “أَيها الأَب فرنسيس (البابا الحالي) نعرف عنكَ أنْ كنتَ تضع على مكتبك في بيونس ايرس صورةَ شربل ناسك عنايا. هذا هو مسيحيُّ لبنان الحقيقي لا مرشَّحو كسروان-الفتوح الذين ذهبوا يخوضون معاركهم الانتخابية في الفاتيكان، وكنا في القرن السابع عشر نرسل إِليه علماءَ روما وآباءَ العلْم“.

          ولبنانيٌّ كثيراً سمير عطالله حين يكتب. أَفتح صفحةً ثانيةً وأَقرأُ: “كانت جريدة “النهار” تَسحَرُ العرب، خصومَها والمعجبين بها، بسِحْر الحرية التي تعيشها. كانت جريدةً تَضحكُ وتُفاكِهُ رئيسَ الدولة اللبنانية كلَّ يوم، فيما كان يُـمنَع على العراقي أَن يَرمي الصحيفة على الأَرض لأَن فيها صورة “السيّد الرئيس”، والكاريكاتور في سوريا لم يكن مسموحاً إِلاّ عن الطيور“.

          ومتابعٌ كثيراً سمير عطالله حين يكتُب. أَفتح صفحةً ثالثة وأَقرأُ: “نتذكَّر دوماً كوكبةً نزَلَت من الجبال بفَقْرٍ وقِلَّةٍ وحُلْمٍ كبيرٍ لتَصوغَ صورةَ لبنان الجديد، لبنانَ الـمغنّى. نزَل وديع الصافي من تومات نيحا، أَسعد السبعلي من سبعل، عاصي ومنصور الرحباني من مَرَاعي الشوير، أَسعد سابا من غوسطا، من وادي شحرور أَطلَّت صباح شحرورة الوادي، ومن مزيارة ركِبَ يونس الابن الغيمَ والضباب، ومن مَشغرة جاءَ لُورد الفولكلور زكي ناصيف“.

          القراءة من كتاب سمير عطالله “انقضاء الشرق” تَطول وتَعْذُب.

هذا قلمٌ من عندنا لَـم تُسَطِّحْهُ الصحافة ولا جَفَّفَتْهُ متابعةُ الحدَثِ السياسي اليومي والكتابةُ عنه في عمودٍ يوميٍّ إِلزاميّ.

          هذا قلمٌ بقيَت فيه النضارةُ الأَدبيةُ معلومةً وتعليقاً وموقِفاً، مرةً بِـمخرَز السُّخرية، مرةً بقفَّاز أَليف، ومراتٍ بِـمقالٍ كأَنّه قارَّةٌ مستقلةٌ بأَقاليمها وشُعوبها وأَنهارها الدافقة.

          وبذلك رَبِـحَتْه الصحافة… وربِـحَهُ الأَدب.