أزرار- الحلقة 826
“يسوع كما يراه مُسْلِم”
السبت 11 كانون الثاني 2014

        “كلما سَنَحَتْ لي فرصةُ الْتقاءِ مؤْمنٍ، مسيحياً كان أَو بوذياً أَو من أَيِّ دينٍ تقليديّ، يكون أَن أُصغي إِليه. آنَ لنا أَن ننسى ما يفرِّقنا لنَحفظ ما يجمعُنا فنبني به مجتمعاً دينياً للمستقبل”.

          ويوضحُ أَكثر: “لا أَقول هذا لدَمج مُرتَجَل بل ليَبقى كلُّ مؤْمنٍ على بلوغ الله وفق طريقه الروحي المعهود. من النافل أَن يُضِيع المؤْمنون وقتهم وطاقاتهم في خصومات وعداوات ستبقى بدون حلول، عوض أَن يتفاهموا لبلوغ الله”.

          ويَختُم: “على أَعلى الجبل قمةٌ واحدةٌ لكنّ بلوغَها يتمُّ عبر طرُق متعدّدة”.

          بهذه البساطة أَطلق “آمادو هامـﭙـاتيه بـا” كتابه “يسوع كما يراه مُسْلِم” (منشورات سْتُوك – ﭘـاريس – 1996)، وهو كاتبٌ من مالي (1900-1991) وأَحد كبار أُدباء أَفريقيا بحكمته وثقافته الواسعة.

          بهذه البساطة، قلتُ، ولعلّي أَقصد أَيضاً: بهذه البداهة.

          فما الفرق بين ختام البسملة (… “الإِله الواحد آمين”) ومطلع سورة الفاتحة (“بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم”)؟ وما الفرق بين ما يردِّده الـمَسيحيّ: “أَنا هو الربُّ إِلهُك لا يكُنْ لك إِلهٌ غَيري”، وما يردِّده الـمُسلم: “لا إِله إِلاّ الله”؟ وما الفرق بين السماء التي يرنو إِليها الـمسيحيون والجنّة التي يرنو إِليها الـمُسلمون؟

          وهل الصلاة في الكنيسة تبْلغ دينياً غيرَ ما تبْلغه الصلاة في المسجد؟

          وهل الله الذي يبشِّر به الكاهن ذو الجبة غير الذي يبشِّر به الشيخ ذو العمامة؟

          وهل مريم ويسوع في الإِنجيل غير مريم وعيسى في القرآن؟

          أَعودُ إِلى “آمادو هامـﭙـاتيه با” الذي بنى كتابه على محاضرة كان أَلقاها في نيامي (عاصمة النيجر) سنة 1975 خلال مؤتمر نظَّمتْه “اللجنة الأُسقفية للعلاقات مع الإِسلام” وكانت له فيه مداخلاتٌ حول الحوار الإِسلامي المسيحي والغفران والتسامح والاحترام المتبادَل والإِصغاء إِلى الآخَر الـمُغاير.

          ويلفت في آراء هذا الأَديب أَنها لم تأْتِ من تَرَفٍ ولا من تنظير، بل من نشأَته في وسَط قبائلي ذي جَوٍّ متنوِّع خرج منه إِلى وعي الاختلاط الذي آلَ به إِلى فهم الآخر والإِصغاء إِليه، فضيلةً نادراً ما تظهر في ذاك الوسط.

          وهذا ما بنى له في أَفريقيا والعالم شهرةً ذائعةً تُرسّخ مبادئَ الحوار بين الأَديان طريقاً أَوحدَ لاجتناب المشاحنات والمخاصمات والحروب بل المآسي والفواجع التي تحاصرنا في هذا الشرق بسبب الظّلاميين والأُصوليين الذين يظُنُّون أَنهم يبشِّرون بالله ويعملون له فيما الله براءٌ من سلوكهم غير الحواري.

          ولعلَّهم أَساسُ تبرئة الدين الحقيقي من غُلُوّ الـمُتديّــنين.