يتابعُ الـمُواطنُ طيلةَ الأُسبوعَين الأَخيرين، قارئاً أَو مُستمعاً أَو مُشاهداً، أَخبارَ تشكيلِ حكومةٍ تتلاطمُ فيها الأَفكار والـمواقف والتصاريح والأَحاديث والتنظيرات والمشاورات والترجيحات والتسريـبات والتسميات والتسويفات والتعجيلات والحوارات والــ”توك شُوَ”ات.
ويَدوخُ الـمواطن وهو مُعَنْزَقٌ بين شُروطٍ وشُروطٍ مضادّة، بين مَن يُصِرُّ على موقفه ومَن يرفض الإِصرار ليفرِض إِصراراً آخر، بين مَن يتمسّك بحقيبةٍ لا يتخلّى عنها ومَن يتمسَّكُ بِـمطالبَ يُصِرُّ عليها.
ويُزهِقُ الـمُواطنَ تنافُسُ القوى على موجَة الثلاثيات: ثلاثية 8-8-8، ثلاثية 9-9-6، ثلاثية الجيش والشعب والـمقاومة، ثلاثية الإِصرار والرَّفض والفَرض، ثلاثية رَأْيُـنا وتَسْمياتُــنا وإِلاّ…
ويَعجَب الـمواطن من غياب الأَهمِّ من جميع تلك الثلاثيات، ثلاثية: الأَمن والـمجتمع والاقتصاد. ولـم يَسمَع أَحداً يضعُ رؤْيةً للأَمن الـمُنهار الـمُهَدَّد، أَو حُـلُولاً للـمشاكل الاجتماعية الضاغطة، أَو تَصَوُّراً لإِنقاذ الاقتصاد الـمتدَهْور.
وإِذا الـمواطنُ لم يَسمَع بِاسْمٍ واحدٍ ذي رؤْيةٍ أَو حَــلٍّ أو تَصَوُّر، فعلى أَيِّ أَساسٍ يُرَشَّح هذا أَو ذاك أَو ذلك مِن الوزراء الـمُرَشَّحين على لوائح الترجيحات؟
في الشركات الخاصة، عند التقدُّم لوظيفةٍ أَو منصبٍ، لائحةٌ طويلةٌ مفصَّلةٌ تسمى “مُواصفات العمل” (Job description)، فَـأَيٌّ من الأَسماء الـمرشَّحة تُطابِق مواهبُه وإِنجازاتُهُ مواصفاتِ العمل الخاصّةَ بالوزارة التي سيتولى حقيبتَها؟ وأَيٌّ من الوزراء الـمُرشَّحين تُـرَشِّحُهُ جهتُه السياسية وَفْقَ تلك المواصفات، عدا موهبتِه الحالية: مَـحسوباً أَو مستسْلِماً أَو مستزلِـماً أَو خاضعاً لتيّاره أَو حزبه أَو حَرَكَته أَو تَكَتُّلِه أَو أَسياده؟
ووَسْطَ جميع الطُّروحات التي تتلاطَم بين صالحِها أَو مَصالحِها، يسأَلُ الـمواطن: أَينَ صالِحُ الوطن ومصلحةُ الـمُواطن في كلِّ ما من أَجلِه تأَجَّل تشكيلُ الحكومة تسعةَ أَشهر؟ وهل هذه التشكيلةُ التي ستولَدُ بعد طول مَـخاض، كانت تستحقُّ تَجميدَ مصالح الوطَن والـمُواطن تسعةَ أَشهر مُضْنيةٍ مطّاطة؟
وهذا التأْجيل: هل هو لإِشباع المحاصَصَة السياسية أَم لإِطْلاع المقاصَصَة الوطنية؟ وبين الـمحاصَصَة والـمُقاصَصَة، أَين مستقبلُ الـمُواطن الذي يتلطَّى نَـهارُه في الخوف والقلَق، ويتمطَّى ليلُه في التفكير بالهُجرة إِلى اللارجوع؟
أَسئلةٌ أَسئلةٌ تُحاصرُ الـمواطنَ في هذه الأَيَّـام، وحتى إِشعارٍ آخَرَ وضوءٍ آخَر، تبقى أَسئلةُ الـمُواطن حائرةً بلا جوابٍ بين … الـمُحاصَصَة والـمُقاصَصَة.