الذي يَتَأَنَّقُ في نَـحْتِ كلماتِه حتّى تَــتَــنَــصَّـعَ وتَــتَرَصَّعَ بالأَبْهى من منابِعِها شكلاً ومضموناً، صدَرَ عنهُ هذا الكتابُ الجديدُ مِرآةً لشخصيَّته وقلمِه وكلِمةٍ له تَليقُ بإِرثه الأَدبيّ وبـِما يُضمِر للبنان من تقديسٍ إِرثَهُ التاريخي.
الكتاب: “خليل رامز سركيس– فيلسُوفُ الكلمة والآخَر” في 268 صفحة قطْعاً وسطاً يَحوي ستّ دراسات عنه وثماني شهادات. وهو الجزءُ السابع من “إِسم علَم”، السلسلة التي تُصدِرُها الجامعة الأَنطونيّة.
مقدّمةُ الكتاب لِمنسِّقة السلسلة ﭘـاسكال لحود التي رأَت في فلسفة أَديـبنا الكبير تَصَدِّياً للإِشكاليات الإِنسانية الكبرى بيونـﭭـرساليةٍ وتجريدٍ يَليقان بالفلسفة، خصوصاً في كتابَيه “جعيتا” (1970) و”زواج مدني” (1999).
بعد المقدّمة كلمةُ رئيس الجامعة الأَب جرمانوس جرمانوس معتبراً أَنّ للكلمة لدى سركيس بيتاً ماهَتْهُ الجامعة الأَنطونية.
الناقد عبده وازن عالج لدى خليل رامز سركيس “المعنى الـمُجترَح واللغة المعجزة” من خلال ثلاثة كتُبِهِ “أَيّامُ السماء” (1960)، “أَرضُنا الجديدة” (1962) و”مصير” (1965) خَلَق فيها جديداً بين اللغة والمعنى واتّخذ الأَدبَ مِثالاً فلسفياً نحا فيه إِلى الشخصانية والوجودية. وجاءَت دراسةُ إِميل معلوف عن “الاتجاه الشخصاني لدى خليل رامز سركيس في كتاب “جعيتا” تؤكَّدُ رؤْية سركيس في جعيتا بالرؤْية الإِنجيلية ذاتِها التي كتَب فيها شارل ﭘـيغي وجورج برنانوس وﭘـول كلوديل وفرنسوا مورياك.
فريدا حداد عَبس كتبَتْ خواطرَ مُرَكِّزةً على “الثنائية في فكر سركيس” بين الإِيمان والشكّ، بين الحَرف والكلمة، بين الأَنا والأَنت، بين اليوم والغد، وبين الحياة والموت.
بعد بحث الدكتور أَديب سيف عن “منطق النُّطق بالـ”لا” بين بوابتَي التضارُب والسالبية”، كتبَتْ الدكتورة هدى نعمة بَحثاً مستفيضاً عن خليل رامز سركيس “مُفكّراً وأَديـباً ورؤْيَوياً” قادراً على تَصَوُّر الآتي بِـموقفه من الإِيمان والمعرفة “مُعضِلةً فلسفيةً تربوية”.
ختاماً ركَّز أَمين الياس في بَحثه على “نَمط سركيس بين الفلسفة واللاهوت” ضمن زمانٍ ومكانٍ شبَّ فيهما، وعلى علاقته بـ”الندوة اللبنانية” ومُؤَسِّسها ميشال أَسمر.
الشَّهادات في الكتاب مِن المطران جورج خُضر الذي رأَى في أَدب سركيس “العربيةَ مُتَنَصِّرةً” واعتَبَرَهُ “من أَكْتَبِ العرب صيغةً”، وأَضاءت رشا الأَمير على إِتقان النَّزاهة والوفاء لدى سركيس في ثالوث الإِنجيل والعربيّة ولبنان، وكتب عقل العويط يريد لغة سركيس “بَشَريةً مُؤَنْسَنة”، وسرَدَ محمد علي فرحات ذكرياتٍ عن لقائه بسركيس في لندن، ورؤُوف قبيسي ذكرياتٍ خاصةً مع سركيس، وكتبَتْ رنيه أَسمر هربوز نَصاً بالفرنسية عن علاقة سركيس بوالدها ميشال أَسمر، وكلود ضومط سرحال نصاً بالإِنكليزية عن آثار سركيس بشكلٍ عام. وختامُ الكتاب نَصٌّ أُوتوبيوغرافِـيٌّ لسركيس موجزٌ عن سيرته وأَعماله.
مُـحِـقٌّ هذا الكتاب –“خليل رامز سركيس– فيلسُوفُ الكلمة والآخَر”– في مستوى أَديبنا الكبير: فتىً تسعينياً ما زال يَدأْبُ على النضارة في امتشاق القلم إِزميلَ نقْشٍ في ضوء الكلمات وفي حُبّ لبنان.
ولستُ أَعرفُ غيرَ جبران أَديـباً غادَرَ لبنان ولم يُغادِرْهُ لبنان إِلاّ خليل رامز سركيس. لذلك – حين لم يَعُد يحتَمِلُ أَن يَتَشَوَّهَ وجهُ لبنانِهِ في أَوّل حرب الـمَغول الـجُدد سنة 1976- هاجرَ منه ولَم يَهجُرْهُ.
غادَرَهُ ولا يـزالُ حتى اليوم يُردّدُ من مَنْآه اللنْدني: “في كُلِّ ما أَكتُبُ، أُحاولُ أَن أَستَحِقَّ لبنان”.