أزرار- الحلقة 825
ما يَهْدُمُ العالم: اللامبالاة
السبت 4 كانون الثاني 2014

       مع انصرام العام المنطفئ يبحث المعنيُّون في رماده عن توصيف يعطيه هويته. وهو ما فعلوا مع انصرام 2013 فرَذَلوه لـما تَلاطَمَ فيه من أَحداث وحوادث قاتلة ومأْساوية.

          لكنّي لم أَقرأْ في توصيفٍ واحدٍ صفةً لعلَّها تُعَنْوِنُهُ: اللامبالاة.

          معظم فواجع الكوكب طيلة 2013 تعود أَسبابها إِلى اللامبالاة.

          نعيش في عالم تَسُوسه اللامبالاة: أَطفال يسقطون، الجوع يُنشِب أَنيابه في الفقراء، جرائم فردية وجماعية، حروب تنفجر براكينَ موتٍ فاحش، وفي مراكز القرار لامبالاة ترتع في نعيم ذويها.

          العاملون على حلّ النزاعات يوهمون العالم بأَنهم يبالون لكنهم يبالون في اتجاه واحد: مصالحهم دون مصالح الشعوب، فإِذا هم لامبالون.

          يجتمع ذوو القرار، يحلّون مشكلة الأَسلحة الكيماوية، يتفاهمون على وقْف حروب هنا أَو هناك، والأَسلحةُ باقيةٌ تكمل حصاد الآلاف، والحروب تتواصل وعدّاد الإِحصاء يراكم أَعداد القتلى بحساب بارد.

          من الجوع يموت الناس، من البرد يموتون، من القصف وتحت الدمار، وفي مراكز القرار ترتع اللامبالاة.

          مجلس الأَمن يجتمع، الأُمم المتحدة تجتمع، الدول الكبرى تجتمع، وليس في مقرراتهم سوى مبالاة بمصالحهم دون مصالح الناس المسحوقين.

كيف يمكن الركون إِلى حلول لامبالين إِلا بمصالح دولهم وستراتيجياتهم وحساباتهم الذاتية التي وحدها تفرض حلولهم واتفاقاتهم وسائر المحصلات السياسية والأَمنية العسكرية؟

بلى… هذا العالم المحيط بنا، تحيط به اللامبالاة.

وعلى قياس محليّ صغير في وطن الأَرز الكبير لا يختلف الأَمر: جبهةٌ من هنا وجبهةٌ من هناك تَتَمَتْرسان وبينهما تراشقٌ فاجع. كلٌّ منهما تدَّعي أَنها “أُمُّ الصبي” وأَنها “تبالي”، وتفرض شروطاً مقابل شروط مضادّة، وتتغرغر بكلام المبالاة، لكنّ اللامبالاة تتحكَّم في كلتَيهما معاً، لأَن “مبالاةَ” كلّ جبهة لا تبالي إِلاّ بمبالاتها هي دون مصلحة الشعب المصلوب بين الجبهتين ويَسقط منه شهداء أَبرياء أَو شهداء عظماء أَو شهداء بالصدفة. والجبهتان تواصلان احترابهما من متراسٍ مقابل متراس. وسيفرغ الوطن من أَبنائه ولا تزال الجبهتان تتناحران، تعرقلان قيام الدولة وتدّعي كلٌّ منهما المبالاة وحرصها على الدولة.

في قصيدةٍ كتَبَها جِلبير بيكو وغنَّاها، يقول: “قبل أَن تجتاحَنا اللامبالاة أَشتهي أَن أَراها مصلوبة”.

وهكذا الناس عندنا: ينشحنون بالغضب، بالثورة والغضب على زعماء مأْجورين للخارج ليُلبُّوا مطامع الخارج لا مطامح الشعب.

غير أَن مطرَ الغضب يتجمّع حتى يجيءَ يومٌ يَـحفُرُ فيه جدار القلعة.

يومها سيفاجَأُ اللامبالون بأَنهم معزولون منبوذون، وأَنّ الناس المبالين رفضوهم، وأَكثر: هجَروهم، وأَكثر أَكثر: لَعَنوهم إِلى الأَبد.