1132: بَــيــن مـبـارح وبُــكْــرا
الأَربعاء أَوَّل كانون الثاني 2014

بين ظواهرَ انتشرت العامَ الماضي ومرشحةٍ لانتشارٍ أَكبر هذا العام الجديد: ظاهرةُ الـ”سِيلْفي”، أَي أَن يقوم الإِنسان بتصوير وجهِه مستخدماً تطوُّر الفوتوغرافيا تكنولوجياً بالـ”آيفون” أَو الـ”آيـﭙـاد” أَو الـ”ويبكاميرا” فيُديرُ العدَسَة صَوبَه ويُصوِّرُ وجهَه أَو بعضَ جسمِه، وفوراً يُرسِلُ الصورةَ إِنترنِـتِـيّاً إِلى أَصدقائه في كلّ العالم عبْر خدَمات الـ”فايسبوك” والـ”ﭬـايبر” والـ”واتس أَپّْ” وسواها.

هذه الصُّوَرُ الذاتية تُجمِّدُ اللحظةَ في الزمن وتَختصر المسافة بين الأَمس والغد، بين مبارح وبكرا، فتترك ذكرى حميمة أَو ذاكرة أَليمة.

من صُوَر الذّاكرة الأَليمة في لبنان، ولَعلَّها الأَبرزُ والأَكثرُ تأْثيراً في نهاية العام: صورةُ فتى ضاحكٍ ملؤُه الحيويةُ والحياة، مستمْتِعٍ بما تبَقَّى له من ثَوانٍ يَحياها قبلَ أَن تغتالَه يدٌ مُجرِمةٌ عميلةُ الظُّلْم والحقد والكراهية بانفجارٍ خَطَفَ منه أَحلامَ الحياة وَحَوَّلَهُ من طالب البكالوريا إِلى الشهيد الشاب. صورةٌ ذاتيّةٌ شاءَ ينقُلُها إِلى أَصدقائه مرآةً لبراءةِ عمرٍ لم يُكْمِلْ ربيعَه السادس عشر، فنقلَتْها إِلى الـملايين مواقعُ اجتماعيةٌ وشاشاتٌ تلـﭭـزيونية صورةَ عامٍ يَنصرم وعامٍ يُقْبل، صورةَ أَمسٍ مَضى وغدٍ يأْتي، صورةَ الحقيقة الساطعةِ للُبنان الآتي، صورةً حرّكَت كُلَّ ضميرٍ حيٍّ كي لا يَسكُتَ ولا يستكينَ قبل النَّيْل من الـمُجرمين.

مع فجر العام الجديد، فلنحفَظْ هذه الصورة الـ”سِيلْفي” في ذاكرةِ غَدِنا، ولنتأَمّلْها تكراراً كي لا ننسى عدالة الإِنسانية.

          ومن سِعة انتشار هذه الظاهرة: الأُوتوﭘـورتريهات الفوتوغرافية، أَنّ قاموس “أُكسفُورد” أَدْخَلَ إِلى مفرداته كلمةَ “سِيلْفي” (selfie) المشتَقَّةَ من الكلمة الإِنكليزية “سِيلْفْ” (self) أَي “الذات”. وبلغَت هذه الظاهرة من الأَهمية أَنّ المجلة الأَميركية الرصينة “تايم” خصَّصت في عددها هذا الأُسبوع موضوعاً موسَّعاً لصُوَرِ “سِيلْفي” التقَطَها أَصحابُها لوجوهِهم بالـ”آيفون”، أَبرزُهم البابا فرنسيس: صوَّر وجهَه مع مجموعة شبان في الـﭭـاتيكان، والرئيس أَوباما: صوَّر وجهَه مع رئيسَي حكومتَي بريطانيا والدانمارك. وكان من “سِيلْفي” سيدةٍ التقطَت صورةً لوجْهِها على جسْر بروكلن/نيويورك أَن ظَهَر في الصورة وراءَها، وهي لا تدري، شابٌّ يحاول الانتحار فاستحقَّت صورتُها أَنْ تصدُرَ على الصفحة الأُولى من الجريدة العالـميّة “نيويورك ﭘـوست”.

          إِنها التكنولوجيا في خدمة الإِنسان ودعوةٌ مفتوحةٌ – مع هذا العام الجديد – لكلّ إِنسانٍ أَن يُواكبَ التطَوُّرَ التكنولوجيّ لتَطوير حياتِه اليوميّة والمهنيّة، وإِلاَّ يبقى خارجَ العصر ولو كان يظنُّ أَنه يعيش في قلب العصر.