لأَنّها كانت في الفريق الأَوّل عند تأْسيس مهرجانات بعلبك الدولية سنة 1957، تتَّخذُ شهادتُها مصداقيةً علْمية، ويتّخذ كتابُها حجمَ وثيقةٍ تاريخيةٍ تشهَدُ على تلك الحِقْبة الغنيّة من تاريخنا الفنيّ.
هكذا أَقرأُ كتاب نُهاد شهاب “مع الفنّ والتراث في لبنان وعالم الاغتراب” صدَر الأُسبوع الماضي في 336 صفحة حجماً موسوعياً كبيراً حامِلاً نُصوصاً ووثائقَ وصُوَراً من ذلك الزمن الزّهريّ الجميل.
في مدخل الكتاب تَسرُدُ نهاد شهاب كيفَ بدأَتْ منذ مطلع الخمسينات تَجمَعُ تراث الفولكلور اللبنانيّ تقاليدَ وعاداتٍ، أَزياءَ وأَساطير، أَدباً وأَمثالاً شعبيةً وإِرثاً موسيقياً، وأَغاني ميجانا وعتابا وشروقياتٍ وأَبو الزلُف وحلقاتِ دبكةٍ جميلةً في ليالي الصفاء وحفلات القرى والضياع، وعَمِلَت مع فريقٍ تربويّ على تأْطيره صالحاً للتدريس بمفاصله جميعها.
تلك المشاهدُ العريقةُ من الفولكلور اللبناني جمعَـتْها نهاد شهاب في هذا الكتاب، وروَت فيه سيرتَها الذاتيةَ في بيروت وفي روم (قضاء جزين) وعملَها في وزارة التربية وجولاتِها على القرى والدساكر تتعرّفُ منها إِلى حلقات الدبكة وفي كلّ ضيعةٍ حلقةٌ مختلفة، حتّى وُلِدَت لجنةُ مهرجانات بعلبك سنة 1956 برئاسة السيّدة إيمّيه كتّانة واهتمامِ اللجنة بإِحياءِ التراث اللبناني مدفوعةً بتشجيع اللبنانية الأُولى زَلفا شمعون لإِظهار تُراثنا على مستوى ثقافيٍّ فنيٍّ عالَميّ برفع مستوى الأُغنية اللبنانية وإِطلالة الأُوﭘـريت اللبنانية على الحياة اليومية في القرى، وما يواكبها من أَغانٍ ورقصٍ شعبيّ. وبطلبٍ من زلفا شمعون جال إِيغور موييسِّييڤ (خبير الرقص الشعبي في الاتحاد السوفياتي) على القرى اللبنانية واطَّلَع على الفولكلور فيها ووضع تصوُّراً عمّا يمكن استحداثُه وتطويرُه فنياً لإِبرازه على المسرح. هكذا رافقَت نهاد شهاب تشكيلَ فرقة الرقص الشعبي الأُولى، وتابعَت أَبحاثَها في المخيَّمات الكشفية وفي الفِرَق الرياضية وفي المدارس تحضيراً لِـمهرجاناتٍ فنيةٍ ورياضية، ما كان مقدِّمةً لاختيار عناصر تشكَّلَت منها “الفرقة الشعبية اللبنانية” أَسَّسَها الأَخَوان رحباني وقدّما بها عملَهُما الأَوّل “أَيام الحصاد” على مدرج جوﭘـيتر في بعلبك، مؤَسِّسَيْن به “الليالي اللبنانية” في ثلاث ليالٍ (29-30-31 آب 1957).
وتتواصل بعدها ذكرياتُ نهاد شهاب في مسيرة الفولكلور اللبناني مع صيف مهرجانات بعلبك: “عرس في القرية”(1959)، “موسم العِزّ” (1960)، “البعلبكيّة” (1961)، وما تلاها من نشاطِها الخاص والعام في رحلاتِها الفولكلورية اللبنانية إِلى البرازيل والأَرجنتين ولندن والمكسيك وكندا وكولومبيا، وحفلاتِ معرض دمشق الدوليّ، وحفلاتِ فرقة جون في بيت الدين، والمسرح العائم في مرفإِ صيدا، وعملِها مع روميو لحود ووليد غلمية في أُوﭘـريت “الشّلال” (صيف 1963)، وتأْسيس فرقة “نادي الأَرز” في طيران الشرق الأوسط، والجولاتِ الفنية المتواصلة في القرى اللبنانية، حتى نَيلِها جائزة سعيد عقل على نشاطها الفولكلوريّ، ومعارضِها التشكيلية لوحاتٍ زيتيةً ومائيةً ذاتَ طابعٍ قرويٍّ فولكلوريٍّ لبنانيّ.
كتابُ نهاد شهاب “مع الفنّ والتراث في لبنان وعالم الاغتراب” وثيقةٌ تُؤَرِّخُ بالنص والصورة لصفحةٍ راقيةٍ من فــنّــنا الشعبيّ الذي يبقى إِضاءةً بهيَّةً من تلك الأَيّام الـمُلَوَّنة في تاريخ الفنّ اللبناني.