الحلقة 1119: السَّـــبَّـــابَــةُ السياسية
(الأَربعاء 2 تشرين الأَوّل 2013)
مع الخبر الذي قرأْناه أَمس أَنّ جريدة “واشنطن ﭘــوست” ستتحوَّل من وَرَقيّة إِلى رَقْمية، تزداد أَهميةُ الشاشة المحمولة (لاپ توپ أَو آي ﭘــاد) والهاتف المحمول (آي فون) بانتقال الأَصابع من مُلامسَة القلم إِلى مَلامِس الشاشة. وكم أَرى أَبناءَنا وبناتِنا من الجيل الجديد يتعاملون بِرَشاقةٍ مع هذه الشاشة الـمحمولة لكتابة رسائلَ نَصيةٍ أَو مُـحادثةٍ مباشِرة مستعملين إِبـهامَيْهم في سرعةٍ لافتة.
وعن استطلاع شركة “إِيــﭙـْسوس مايكروسوفت” أَنّ مَن دون 35 عاماً يَستعملون الإِبهامَين على ملامس الشاشة بينما الأَكبرُ سناً يستعملون السَّـــبَّــابة الواحدة.
فارقٌ جديدٌ في استعمال الإِصبع بين الإِبهام والسَّــبَّــابة.
على أَنّ معظم “بيت بو سياسة” عندنا يَستعملون السَّــبَّــابة لا للكتابة بل للتهديد والتنديد والتسديد، فيبثُّون الشقاق والنفاق رافعين سبّاباتهم في الهواء وفي وجوه الناس بلهجاتٍ وَعِيدِيّة تُوْدي بالأَبرياء نحو المصير المجهول: هجرةً من الوطن في أَوَّل طائرة، أَو هرَباً من الوطن في أَول عَــبَّــارةٍ يبتلعها الموج قبل وصولهم إِلى شاطئ الخلاص.
هكذا وُلدَت عندنا “السَّــبَّــابة السياسية” رمزَ الترعيب والترهيب موضوعاً يُثير وكالات الاستفتاء لدراسة مَفاعيل هذه الظاهرة اللبنانية بامتياز في استعمال السَّــبَّــابة لا على مَلامس الشاشة بل على مَلامس قَدَرٍ يُوْدي بأَصحابه إِلى مُلامسة الغُربة القاتلة.
وهكذا باتت عندنا قرابةٌ بين السَّــبَّــابة والسُّبَابة فلم تعُد الـمِسَبّةُ اسماً آخر للسبَّابة بل اسماً آخر للتهويل والتهجير، قرابةٌ وُثقى بين السَبّابة والسَبَّابين يتسابَبُون على الشاشات فيتسَبَّبُون بهجرة المواطنين هرَباً من تراشق السُّبابات والسَبّابات يَسْتَسِبُّ بها السياسيون بعضَهم بعضاً والناس يهاجرون هرَباً من السبَّابات المرفوعة في الهواء وسائر أَنواع الـمِسبَّات والأَسباب والـمُسبِّبات والسُّبَابات.
غير أَنّ هؤلاء الـــ”بيت بو سياسة” لا يعرفون أَنّ للسُّبَّة معنىً آخرَ في القاموس: أَن السُّبَّةَ جماعةُ مَن يُكثِر الناسُ سَبَّهُم، وأَنّ السُّبَّة لها مرادِفٌ آخر هو العار، وأَنَّ الأُسبُوبِين يَدور عليهم السَّبُّ والشتمُ من كلّ صوب، وأَنّ كلّ أُسبُوبة يسبِّبونها تتسبَّب بسُبَاب المواطنين ضدَّهم حتى اللعنة الساخطة.
وبين السَّــبَّــابة على مَلامس الشاشات الصغيرة لكتابة نصٍّ سريع، والسُّبَابة على مَلامس الأَقدار الكبيرة لكتابة تهجير الوطن بالتهديد والتنديد والتسديد، يقِف المواطن اللبناني اليوم على مفْترقٍ بين وُجْهَتَين: مغادرةِ الوطن بِلا رُجعى أَو رَدِّ سَبَّابات الـمُسَبِّبين بالانتفاض عليهم لردْعهم عن السُّباب والـمِسبَّات والأُسبوبات لأَنهم أَسبابُ فراغ الوطن لكثرة رفع سَـبَّاباتِـهم في هواء الفراغ.