مَـلالا
السبت 20 تموز 2013
-803-
بشجاعةٍ أَطْوَلَ منها، وثِقَةٍ أَعلى منها، وحضورٍ أَوسعَ منها، وبِصَوتٍ أَقوى منها، وقَفَت بنتُ السادسة عشرة، على أَعلى منبر دولـيّ: قاعة الأُمم المتحدة، تقول في كبار المندوبين من جميع دُوَل العالم، وفي حضور أَتراب في سنّها من 85 بلداً: “في 9/10/2012 أَطلق طالبانيٌّ رصاصةً على صدغي الأَيسر ظَنّاً منه أَن الرصاصة تُخرسني. لكنه خسئ: من الصّمت خرجَت آلاف الأَصوات. ظنَّ القَتَلة أَنهم يُرهبونني فأُغيّر أَهدافي وطموحاتي. لكنّما لم يتغيَّر في حياتي سوى الضعف والخوف واليأْس، ثالوثٌ مات ليُولدَ مكانه ثُنائيُّ القوة والشجاعة”.
وأَكمَلَتْ بعد: “هذا هو الـحُنُوُّ الذي تعلّمْتُهُ من محمد نبيّ السماح، من يسوع المسيح ومن بوذا، وهذا هو إِرثُ التغيير الذي ورثْتُهُ من مارتن لوثر كنغ ونلْسون مَنديلا، وهذه فلسفة اللاعنْف كما أَخذْتُها عن غاندي والأُم تريزا”.
وبصوتها الرقيق الساطع أَعلنَتْ بكُلّ إِيمان: “لكلماتِنا قدرةُ أَن تغيِّر العالم لأَننا معاً موحَّدُون من أَجل قضية التعلُّم. وإِذا شئْنا بلوغ غايتنا فَلْنَقْوَ بسلاح المعرفة ولْنَتَحَصَّنْ بدرع الوحدة والتضامن”.
هكذا هَزّت مالالا يوسف زاي سامعيها في قاعة الأُمم المتحدة نهار عيد ميلادها (12 الجاري) وخرجَ صوتُها إِلى كلّ العالم عبر وسائل الإِعلام ووسائط الاتصال ناقلةً صرختَها الـﭙـاكستانية الغاضبة الثائرة ضدّ تسلُّط الطالبان على المجتمع باسْم الدين، وحرمان البنات من العلْم والتعلُّم والتعليم بأُصولية وعصَبية، وقهْر المجتمعات الضعيفة ظُلْماً وظُلامةً وإِظلاماً. من هنا قولُها في خطابها الصاعق: “الأُصوليون يخافون الكتُب والأَقلام، وتُرعِب جَبَروتَهم سُلْطةُ التعلُّم والتعليم… ويعرفون أَنّ لـمُدَرِّسٍ وكتابٍ وقلمٍ قوةَ تغيير العالم. لذا أُطلق صوتي أَمامكم إِلى جميع حُكومات العالم أَنْ تُؤَمِّنَ التعلُّم المجاني والإِلزامي لكلّ ولَد في العالم”.
كانت مالالا، على رأْسها منديل بانازير بوتو، تتكلّم باسم بنات وصبيان يَبلغون – وفق إِحصاءات الأُمم المتحدة- “57 مليون محروم من التعليم الابتدائي، نصفُهم من البُلدان المضطربة أَمنياً وعسكرياً”.
ولأَنَّ كلامها هَــزّ العالم، رأَت كاترين آشتون (مسؤُولة الأَمن والعلاقات الخارجية في الاتحاد الأُوروﭘـي) أَنَّ هذه الفتاة “مَنبعُ إِلْـهامٍ لنا جميعاً”، ورأَت هِلَري كلينتون أَنّ “مالالا قائدةٌ للمستقبل تُطْلِق النُّور ضدّ قوى الظلام”، وأَعلن بان كي مون نهار عيد ميلادها “اليوم العالَـمي لتعليم الفتيات” معتَبِراً هذه الفتاة الاستثنائية “أَيقونةَ الـمُقاومة ضدّ الطالبان، وبطلتَنا الجريئة التي جهَرَت بأَنّ الإِرهابيين يَخشون الصبيان المتعلِّمين والفتيات المتعلِّمات”.
هذه الصبيَّة الـمُرَشَّحةُ إِجماعاً لــ”نوبل السلام”، لعلّها نالتْها أَمام العالَـم حتى ولَو لَـم تَـجِـئْـها من لـجنة ستوكهولـم.