يُحَطِّمون الـمُثُل لا التماثيل
السبت 13 تموز 2013
-802-
بعد أَبي العلاء (شباط الماضي – معرّة النعمان – ريف إِدلب)، ها هو أَبو تَـمَّام يُواجه الـمَصير إِياه في ريف درعا.
قد يكون الذين فجّروا تِـمثال الأَوّل هم الذين فجّروا تِـمثال الآخَر، وقد لا يكونون. الأَمر ليس هنا.
الأَمر أَخطر: أَن يَتَحَكَّمَ فَعَلَةٌ جاهلون بإِرث أَدبي لأَسباب غير أَدبية.
الذي أَحرَق مَـخطوطات ابن رشد لم يكُن جاهلاً. كان الخليفة المنصور. بقي ابن رشد واندثر المنصور.
مَن حطّموا تِـمثال أَبي العلاء، وقبلَهم مَن حطَّموا تِـمثال طه حسين، وبعدَهم مَن حطَّموا تِـمثال أَبي تمام، فجّروا بفِعْلتهم أَحقاداً في نفوسهم دفينةً ناجمةً عن تراكماتٍ مشحونة بغرائزَ دينية أَو سياسية أَو مذهبية. وسيندثرون بغرائزهم ويبقى أَبو العلاء وأَبو تَـمّام وطه حسين.
ماذا رأَوا في تِـمثال أَبي تَـمّام حتى فجَّروه، أَو في تِـمثال أَبي العلاء؟
في فجر الإِسلام تَمَّ تحطيمُ الأَصنام الجاهلية كي لا يظلَّ سوى الإِله الواحد الرحمن الرحيم، الله الذي لا إِلهَ إِلاَّ هو. وكان ذلك ضرورياً لنقاء الرسالة.
أُولئك الذين حطّموا تَـماثيل الشُّعراء هل يَعْرفون مَن هُم هؤلاء الشعراء؟
حَطَّموها غريزياً واهمين أَنها أَصنامٌ للعبادة، جاهلين رُمُوزَها ومُـثُـلَـها ومَن تُـمثِّل في دنيا الأَدب، فكان جَهلُهم جاهلياً تَـجهيلياً يَقودُه ثأْرٌ أَعمى من مَـجهولٍ نصَّبُوه عدُوَّهم الكافر فحَطَّموا تِـمثاله.
أَكيداً لم يُـحَطِّموا تِـمثال أَبي العلاء لأَنه قال:
“إِثنانِ أَهلُ الأَرض: ذو عقلٍ بلا دِينٍ وآخرُ دَيِّنٌ لا عقلَ له”.
وأَكيداً حين حطَّموا تِـمثال أَبي تمام لم يُدركوا أَنه مَـجَّدَ الإِسلام في أَعلى سُـمُوِّه بقوله مُـخاطباً “يوم عَمُّورية”:
“أَبقيْتَ جِـدَّ بني الإِسلامِ في صُعُدٍ والـمُشْرِكينَ ودَارَ الشّرْكِ في صَبَب”.
وأَكيداً لا يَعرفون أَنّ هذه التماثيل لشعراء مسْلِمين، وهي ليست ضدَّ الإسلام بل تجسيدٌ خالدٌ لـمجد الشعر والفن والإبداع العربي.
وأَكيداً لا يُدركون أَنّ هذه التماثيل الجامدة رمزُ حياة أَصحابها، مقابل تَـماثيل حُكّام أَحياء يُودُون بالأَحياء إِلى الموت.
وأَكيداً، وهم يُـحَطّمون تلك التماثيل، وَهِـموا أَنهم “يُعاقبون” أَصحابها على “عدم تَشَهُّدهم”، معتقدين أَنهم بذلك يُرضُون الله العادل الرحمن الرحيم.
هذا العصرُ الذي يعصفُ به التَّشدُّد، ويَصَّاعد فيه الثأْر، ويُطيحُ أَبناءَه عمَى البصيرة باسم الدين أَو الإِيديولوجيا، لن يَشفينا فيه إِلاّ انحسارُ موجة التَّدَيُّن السياسي والتسيُّس الديني، ليعودَ الدينُ إِلى أَلَقه الإِلهي دون السياسي، وتبقى السياسةُ في أَلَقها الأَرضي دون الديني، وعندها لا يَكون التَّدَيُّن غوايةً للحرب بل هدايةً للسلام.