1097: المتهافتُون

الحلقة 1097: المتهافـتُـون
الأَربعاء أَوّل أيّار 2013

من صُوَر الوكالات الأَجنبية: صَفٌّ طويلٌ من المواطنين ينتظر كلٌّ دورَه ليشتري رواية الكاتب الياباني هاروكي موراكامي التي صدرت يومها في 500 أَلف نسخة وبيعت الآلاف منها نهار صدورها وفي الأُسبوع الأَوّل للصدور.
ومن صُوَر الوكالات الأَجنبية: صَفٌّ طويلٌ من المواطنين، بينهم شبّان وصبايا يَبدُون تلامذة مدارس، ينتظرون الدخول إلى متحفٍ للفنّ الحديث، ومراتٍ إِلى متحفٍ أَثريّ أَو تُراثيّ.
ومن صُوَر الوكالات العربية: صَفٌّ طويلٌ من المواطنين، بينهم نساء وأَطفال، أَمام فُرن ينتظرون دورهم للحصول على رغيفٍ في ظروف عسكرية مأْساوية، أَو أَمام محطةِ محروقاتٍ للحصول على صفيحة بنزين، وهُم في كلا المكانين: الفرن ومحطة المحروقات، معرَّضون للموت الفاجع بقذيفةٍ تَسقط عليهم فتُحوِّلهم أَشلاءَ في أَبشع مشهدٍ كم عاينّاهُ مراراً خلال السنوات المالحة من الحرب في لبنان.
ومن صُوَر الوكالات المحلية: صفوفٌ طويلةٌ شِبهُ يوميةٍ في دارة الرئيس المكلَّف، زوّارٌ بعضُهم على صداقةٍ مُـجَرَّدةٍ حقيقيّةٍ ونيّةٍ بيضاء في التهنئة، وآخرون ينتظرون دورهم لـمُصافحته والسلام عليه ومُـحاولة الجُلوس إِلى جانبه وتـمرير ملفٍّ أَو ورقةٍ أَو سيرةٍ ذاتية، وكلُّ واحد قصَدَه لغايةٍ في نيَّته، أَو لطلبٍ في باله، أَو لواسطة ذاتيةٍ أَو غيرية، في زياراتٍ واضحةٍ فاضحةٍ تتكرَّر خلالها الابتسامات والمجاملات والمصافحات والاختلاءات والهمسات والغمزات لدى جماعة “الـمُسْتَوزرين” حتى بات لدى الرئيس المكلَّف جبلٌ من الـملفّاتٍ الـمُثْقَلَة بأَسماء مَن يطمحون إِلى حقيبة وزارية بالرُّكُوب في أُوتوكار الحكومة مع أَنّ الأماكن مَـحدودة لا تتَّسع لهذا الزحف من الـمُستَوزرين الطامـحين الطامعين الطمَّاحين الطمَّاعين.
ثلاثة مشاهد من الـمُتهافتين:
– هنالك مُتهافتون لشراء كتابٍ أَو للدخول إِلى متحف.
– هناك مُتهافتون لشراء رغيف خبز أو بضعة ليترات من البنزين.
– وهنا متهافتون للدخول إِلى أُوتوكار الحكومة عارضين خدماتهم وانتماءاتهم وانتساباتهم واستلاماتهم واستزلاماتهم.
• هنالك تَهافُتٌ فكريٌّ ثقافـيٌّ حضاريّ.
• هناك تَهافُتٌ غَرائزيٌّ حياتـيٌّ إِنسانـيّ.
• وهنا تَهافُتٌ شخصيٌّ شخصانـيٌّ تشخيصيّ.
وفي هذا التهافت صورةٌ واضحةٌ عن الشعوب: شعبٌ يقِف في الصَّفّ احتراماً للنظام، وشعبٌ يقِف في الصَّفّ ضحيةً للنظام، وشعبٌ يقف في الصَّفّ من غياب النظام.
مُتهافتون… مُتهافتون… مُتهافتون.
في بعض التهافُتِ خَيار، وفي بعضه اضطِرار، وفي بعضه استهتار.
وبين تَهافُتٍ وتَهافُت، تَتَحَدَّد الشخصيةُ أَو تَتَقَنَّع.
وبينهما تــتَّـضحُ الحقيقةُ بين وِقفَة الذُّلّ، وَوِقفَة المصلحة، وَوِقفَة الكرامة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*