حرف من كتاب- الحلقة 110
“شعراء أعلام من الشرق العربي”- الدكتور ميشال خليل جحا
الأَحـد 31 آذار 2013

في تاريخ الأَدب العربي مُصَنَّفاتٌ كثيرةٌ جمعَت مقتطفاتٍ من الشعراء مع بعض نُبَذ عن سيرتهم، كـ”طبقات فحول الشعراء” لابن سَلاّم الجُمَحي، و”الشعر والشعراء” لابن قُتَيبة، و”طبقات الشعراء” لابن المعتزّ، و”الأَغاني” لأَبي الفرج الأَصفهاني وسواها الكثير من كتبٍ تَحفَظ في الذاكرةِ القصيدةَ وصاحبَ القصيدة.
في هذا السياق التسجيليّ التأْريخيّ التصنيفيَ أَصدَر الأُستاذ الجامعيّ الدكتور ميشال خليل جحا كتابه الجديد “شعراء أَعلام من المشرق العربي” في 768 صفحة قَطْعاً كبيراً عن منشورات “دار صادر” و”دار نلسن”، وفيه أَبحاثٌ موجَزة أَو متوسطةٌ عن أَربع شاعرات وتسعة وأَربعين شاعراً من لبنان وسوريا ومصر والعراق والبحرين والسودان وفلسطين واليمن والسعودية والكويت.
ولأَنّ هذا البرنامج يركزّ أُسبوعياً على كتُبٍ عن لبنان تحديداً، يكونُ في الكتاب عشرة شعراء لبنانيين هم (ترتيباً زمنياً بحسب تاريخ الولادة): خليل مطران، الشاعر القروي، إِيليا أَبو ماضي، الأَخطل الصغير، أَمين نخلة، الياس أَبو شبكة، شفيق معلوف، صلاح لبكي، سعيد عقل، خليل حاوي.
لا يدّعي مصنِّفُ الكتاب أَنه يضع تأْريخاً للشعر الحديث في المشرق العربي بل اختار أَبرز ممثليه، لا بمنطق الأُنطولوجيا بل بكتابةِ بحثٍ عن كلّ شاعرٍ وفْق موقعِه من العصر والمسار الشعري. واختار مِن الشعراء مَن يُعبِّر عن روح العصر ويطرح قضايا عصره، مجدِّداً لا في التعابير العصرية بل في تَطَرُّقه إلى قضايا إِنسانية نابعة من الثقافة الإِنسانية، ولا في استعادته تقليديات الوصف والمديح والرثاء وتأْريخ المناسبات بل في معالجته مواضيعَ نابضةً كمسائل الوجود والموت والعدالة والحرية وقضايا حارَّةً تَهُمّ الإِنسان في بيئته ومكانه. ويشدّد في تصنيف كتابه على كون “الحداثة ليست مجرَّد خروج أُفقي عن الشكل التقليدي وعمود الشعر والقافية بل هي في مضمونٍ يعبِّر به الشاعر عن موقفٍ من العالم والوجود مغايرٍ وجديد”.
في تركيزه على عشرة شعراء لبنانيين من أَصل الثلاثة والخمسين في الكتاب، يستشهد ميشال جحا تبريراً بمقطعَين من شاعرَين غيرِ لبنانيَّين عن لبنان وشعرائه.
المقطع الأَول من نزار قباني في كتابه “قصّتي مع الشعر” (1973)، جاء فيه: “عندما صارت الكلمة قدَري في أَوائل الأَربعينات، كنتُ أَقرأُ بانبهارٍ قصائد الشعراء اللبنانيين: بشارة الخوري، أَمين نخلة، الياس أَبو شبكة، صلاح لبكي، سعيد عقل، ميشال طراد، وأَجد في حروفهم رائحةً طازجةً لا عهدَ لي بها من قَبْل. كان هؤلاء الشعراء اللبنانيون يتكلّمون لغةً أخرى، ويكتبون بحبرٍ آخر، وكنتُ أُحس أَنني أَنتمي تلقائياً إِلى العائلة الشعرية اللبنانية”.
المقطع الآخر من أَدونيس نهارَ افتتاح متحف الياس أَبو شبكة في زوق مكايل (حزيران 2008) جاء فيه: “كان لبنانُ الصغيرُ في عدد سكانِهِ كبيراً في عدَد شعرائه. ففيما كنا نستطيع أَن نَعُدّ اثنين أَو ثلاثةَ شعراء كبار في أَكبر بلد عربي، كنا بالمقابل نستطيع أَن نَعُدَّ في لبنان وحده عشرة شعراء كبار أَو أَكثر”.
كتاب الدكتور ميشال جحا “شعراء أَعلام من المَشْرق العربي”، في إِضاءته عليهم، صنَّفَ شعراءَ لبنان منائرَ مُشِعَّةً على ميناء هذا الشرق، تجعلُ لبنان الشاعر نُوراً مُتَواصلاً للشعر، من جيلٍ إِلى جيل، ومن عصرٍ إلى عصر.
هذا هو دورُ لبنان الإِبداع والثقافة والحضارة.
وهكذا سيستمرُّ دوماً: في إِنجازات المبدعين، وفي نتاج أُدبائه والشعراء.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*