وَجِّـهُـوهُـم إلى وُجُـوهِـهِـم
السبت 8 كانون الأول 2012
-771-
أَكتُب للمعلّمين في المرحلة الثانوية والأَساتذة المشْرفين على الدراسات الجامعية.
أَكتُب ما أُعاينه وما أُعانيه من فقر فاجع لدى تلامذتنا الثانويين وطلاّبنا الجامعيين في مادة التراث اللبناني على وساعة ميادينه.
أَكتُب كي أُطلِقَها صرخةَ استدراكٍ على تراثٍ يتسرَّب زئبقاً من بين أَصابعنا، نَظنُّنا مُـمسكين به في قبضتنا لكنه يَسقُط في النسيان كما تسقُط حبوبُ الرمل في الساعة الرملية، ولا من يتنبَّه إلى تَسَرُّبٍ خطيرٍ يوصلُنا إلى صحراء من ذاكرتنا التي ورثناهه ولم نَنقُل شعلتها إلى الجيل التالي.
أَكتُب كي أُنادي بالحرف العالي أَنّ الإِهمال يهدِّد إِرثنا الأَدبي والصحافي والمسرحي والموسيقي والفكري ولا يَعيه الـمسؤولون عن توجيه تلامذتهم وطلاّبهم إلى مفاصل هذا التراث.
أَفهم أَن يُشْرف أَساتذتنا الجامعيون على دراسات طلاّبهم عن الأَدب القديم أَو أَعلامٍ عالـميّين، ولكن الأَجدر أَن يوجّهوهم إلى وجوههم من أَعلام تراثنا اللبناني.
ماذا أَن يبحث طلاّبنا في أَبي تمام والبحتري والمتنبي وأَبي العتاهية والشمقمقي وطَرَفة وعلْقمة الفحل وعلْقمة النّخعي وعلْقمة بن قيس ولا يعرفون كتاباً واحداً من مؤلّفات اللبنانيين في العربية أَو في اللغات الأُخرى؟
ماذا أَن يفتّش طلاّبنا في “بطون” المراجع العتيقة عن أَعلام عتاق ولا يفتّشون في “برق” بشارة الخوري و”معرض” ميشال زكور و”عاصفة” كرم ملحم كرم و”مكشوف” فؤاد حبيش و”وطن” شبلي ملاط و”أَديب” أَلبر أَديب و”آداب” سهيل ادريس و”حكمة” الحكمة و”مشرق” اليسوعيين و”فينيقيّة” شارل قرم والكثير من الصحف والمجلات القابعة تحت غبار النسيان وفيها نصوصٌ إِبداعية ساطعة تحمل نهضة أَدبية وفكرية وصحافية في ذاك الزمان الذهبي المبارك من أَدب لبنان وفكره وأَعلامه الروّاد، أَيام كان حُلمُ أَيِّ أَديب أَو شاعر أَو مفكر عربي أَن ينشر في تلك الصحف والمجلات اللبنانية؟
أَين المشرفون الجامعيون يوجِّهون طلاّبهم إلى كنوز تلك المطبوعات وأَعلامها وأَعمالها ومعلِّميها ومعالـمها؟
أَين الـمسؤولون في المدارس ينظّمون زيارات إلى متاحف أَعلامنا: الريحاني في الفريكة، أَبو شبكة في زوق مكايل، مارون عبود في عين كفاع، عبدالله غانم في بسكتنا، جبران في بشري، فيَخرج التلامذة من أَربعة حيطان الصف إلى وساعة الإبداع اللبناني؟
يقال الكثير في هذا الموضوع، ويبقى الكثير.
لكن أَبرز ما يبقى: خوفٌ على تراثنا اللبناني من إهمال الـمسؤولين عن نقل هذا التراث من جيلنا إلى الجيل التالي.
وأَخشى أَن يصل الجيل التالي إلى غربةٍ عن وطنه لأَنه يجهل إرثاً عظيماً أَطلعَهُ كبارُ وطنِه.