764: غدٌ لـ”زمن الندوة”

غَـــدٌ لــ”زمن الندوة”
السبت 13 تشرين الأول 2012
-764-

التي نادَت إلى منبرها كوكبةَ أَدمغةٍ تنادى إليهم مَن كانوا يُصغُون في خشعة الطقوس، نادَتْنا من جديد إلى مسقط رأْسها(*).
والـ”أسمر” الكان مؤسسها ولولبها وحركتها ثلاثة عقود، عَقَدْنا له فرحةَ استقبالنا إياه كما لو انه جاء من جديدٍ يفتتح ما كان افتتحَهُ ذات يوم مبارك من 1946.
حدثٌ ثقافـيٌّ هنيءٌ فَـتْـحُ نافذة “الندوة اللبنانية” في باحة المبنى الذي شهد، في قاعة الـ”ألبا”، محاضرات السنتَين الأُولَييْن.
وأَحسنَ جان لوي مِنْغي في عرضه الذكيّ صُوَرَ الذين لم تعُد صُوَرُهم على الشاشة الكبرى ذكرى أَمسٍ رغيد بل عيوناً آتيةً من ماضٍ حميد تُضيءُ لنا دربَ غـدٍ سعيد كي نسلكَه لــزَمَنِنا تَـشَـبُّـهاً بـ”زمَن الندوة”.
في تلك الأيام السعيدة (1946- 1975) كانت “الندوة اللبنانية” هي الحدَث. مَن يعتلي منبرها كان المبشِّر، ومن يدخل قاعتها كان مـحظيّاً بالإصغاء إلى أَئمّةِ قولٍ وملافنةِ فكرٍ وقادةِ رأْيٍ، باحثين في الوصول إلى لبنانيةِ لبنانَ فكراً وهُويةً وكياناً، لا بـعَزله عن محيطه ولا بشوﭬـينيةٍ تجعله جزيرة سطحيةً في بحر عميق.
أَدمغةٌ لبنانية وكبارُ ضيوفٍ من العالم أطلقوا صوتهم من منبر “الندوة”. وبين استقلال لبنان والحرب الآخرينية في لبنان كانت كلُّ مـحاضرة لــ”الندوة” مـحطةَ تأمُّلٍ وتَفَكُّرٍ وتَبَصُّرٍ فلا نـقع في فخ المحظور. ومع كل محطةٍ وعدٌ لازورديٌّ بلبنان أفضل.
يومها كان في لبنان رجالُ دولة، لا سياسيون “حَرتَقْجيُّون”. حتى الخصوم السياسيون كانوا يتلاقون على الحوار الحريص لا على التشاتم الرخيص.
يومها كان الخصوم السياسيون لبنانيين منشأً ومبدأً وأَداءً. لم يكن بينهم مَن يُـحرِّكه الخارج بالـ”ريموت كونترول” كي يُـخرّب الداخل، ولا كان في لبنان تيارٌ مستسلم أَو مستزلم لـخارج لبنان. وكان منبر “الندوة” يستقبلهم جميعاً ويفتح لهم فسحة الحوار والنقاش.
يومها كان لبنان نَـجم الليبرالية في العالم العربي حين كان هذا مكبَّلاً بتوتاليتاريا الحاكم أو عسكريتاريا النظام.
هل هذا يعني أَنّ عاصفة 1975 اقتلعَت ذاك اللبنان ومحاضري “الندوة” وجمهورها؟
بل هو العكس: لأنّ بُذور “الندوة” استحالَت إلى جُذور، جابهَ لبنان عقدَين من العواصف الهُوج متمسِّكاً بثلاثة قرون من فكر “الندوة” لم تذهب جُفاءً بل كانت أُصُولاً أَفرعَت مقاومة فكرية لبنانية أَنقذَت لبنان من عسكرة الحرب.
الفكر؟ بلى.
الفكر اللبناني هو هو “أبو” هذا الربيع الذي ينتشر اليوم (ولم يصبح ربيعاً بعد) لكنه من عندنا كان وسيبقى قلب الربيع.
ميشال أَسمر، أَطال الله عمر ذكراكَ الأَسطع من حضور.
_________________________________________
*) لمناسبة معرض “زمن الندوة”- بناية اللعازارية – الباحة الخارجية (28 أيلول إلى 19 تشرين الأول).

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*