حرف من كتاب- الحلقة 89
“عبيه في التاريخ”- السفير هشام حمدان
الأحـد 4 تشرين الثاني 2012

“إذا خضَعَت عبيه لظروفِ تطوُّرٍ شهِدَه لبنان، خصوصاً في القرن الماضي، فتلك الظروفُ لا تُسقِطُ من ذاكرة التاريخ مجداً تَبَوَّأَتْهُ طويلاً هذه البلدةُ العريقة، يدلّل على مكانتها في بناء لبنان تاريخاً إنسانياً، ويعكس جذورَ تَنَوُّعٍ في الوحدة التي وَسَـمَتْ هذا التاريخ. إنّ استنهاض تراث عبيه، باستذكار تاريخها، مدخلٌ يستذكر تاريخنا الوحدويّ ويستنهض طموحاتنا المستقبلية”.
بهذه العبارات من نصٍّ كاملٍ استعاد السفير هشام حمدان شمسَ عبيه الـمُشْرقةَ بهيةً على تاريخ لبنان مفتتحاً “المؤتمر التاريخي الأول لبلدة عبيه” نظَّمَتْهُ عشيةَ الاستقلال سنة 1999 “لجنةُ إحياء تراث عبيه” في رعاية وزارة الثقافة ضمن أَنشطتها لـــ”بيروت عاصمة ثقافية للعالم العربي” وأَصدرَتْه سنة 2000 كتاباً بعنوان “عبيه في التاريخ” ضمَّ كاملَ النصوص ووثائقَ استعرَضَها باحثو ذاك المؤتمر في “بيت اليتيم” خلال خمس جلساتٍ غنيةٍ بـمداخلاتها وأَبحاثها ومـحاضراتها ومناقشاتٍ مُثْمرةٍ أَعْقَبَت كُلّ جلسة.
الكتاب من 560 صفحة قطعاً كبيراً، بينها وثائقُ وصُوَرٌ ومُـخَطَّطاتٌ ومـخطوطاتٌ ورُسومٌ بيانيةٌ ونُصوصٌ مُوَثَّقَةٌ جميعُها بلائحة مصادرَ ومراجعَ للأبحاث والدراسات، ما يعطي الكتابَ عُمْقيّاً هويةَ مرجعٍ علميٍّ أَكاديميٍّ رصينٍ يُعاد إليه في البحث عن تاريخ عبيه منارةً لبنانيةً لزمنٍ غيرِ ضئيلٍ ذاتَ دورٍ رئيسٍ في جمع العائلة اللبنانية.
جمَعَ الكتابُ نصوصَ الـمَحاور الخمسة التي انتدى فيها مُـحاضرو الخمس الجلسات، وهي توالياً:
1) المحور العمراني: التنوخيون بين الحجَر والبشَر، الـمعالـمُ الأَثَرية، دَورُ تراث عبيه في تكوين نسيجها العمراني.
2) المحور التاريخي: التنوخيون والنكديون في عبيه، الإمارةُ البحترية في عهد المماليك، عامّيّةُ عبيه سنة 1799.
3) المحور الثقافي: عبيه في أَرشيڤ الكبوشيين، التقاطُعُ التعليميّ فيها بين التعليم والتبشير، السياسةُ الثقافية وما حاذاها من تنافُسٍ بين الثقافتَين الفرنسية والأميركية.
4) المحور الاجتماعي التربوي: الضرائبُ فترتئذٍ، مدرسة عبيه الإنجيلية (لاحقاً: الجامعة الأميركية في بيروت)، تأسيسُ بلدية عبيه سنة 1894، تأْسيسُ عارف النكدي “بيتَ اليتيم الدرزيّ” (من حُلْمٍ سنة 1931 إلى واقعٍ سنة 1940)، سردٌ عن عائلات عبيه وأَعلامها.
5) محور الأَعلام: تركيزاً على الأمير السيّد عبدالله التنوخي، البطريرك غريغوريوس الرابع، عارف النكدي، عبدالله حمزة، المطران غريغوار حداد، وختاماً: عبيه مركزاً روحياً مقاماتٍ وكنائس.
ﭘـانوراما تاريخيةٌ موثَّقَةٌ هذا الكتابُ “عبيه في التاريخ” يَـجدُرُ الرجوع إليه عند كل مَفْصَلٍ من تاريخ لبنانَ استدلالاً على أَنّ عبيه واحةٌ مضيئةٌ أُخرى من واحاتِ لبنانَ التاريخيةِ الكثيرةِ على كُلّ بقعةٍ من بقاعِ لبنان، ليكونَ لبنانُ لا مـجرَّدَ مِساحةٍ جغرافيةٍ أَو ديموغرافيةٍ بل مِساحةً تاريخيةً ضالعةً في جُذور الأمس المشرّفة، طالعةً إلى بُذور المستقبل الـمُعَرِّفةِ لبنانَ وطنَ الجودة لا بلدَ الكثرة، وطنَ النوعيّة لا بلدَ العدديّة، وطنَ الإبداعوغرافيا لا الجغرافيا ولا الديموغرافيا، وطنَ التَّميُّز الذي، منذ فجر التاريخ، يَنْشُرُ إبداعَه أَبناؤه المقيمُون ومنتشروه الـمُشْرقون على كلّ فجْرٍ في العالم.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*